السبت، 23 مارس 2013

مابعد البركان- يوميات الثورة المصرية (8) صراع الكاب واللحية



توقفت معكم فى الحلقة السابقة عند الصراع بين اللحية والكاب وأقصد الصراع بين فصائل وجماعات الإسلام السياسى والعسكر وهو صراع ممتد وعميق فى أكثر من بلد عربى من قبل وبعد حقبة الاستعمار لبلادنا العربية وهو صراع ليس على القيادة والغنائم فقط بل على الهوية أيضا ويستطيع كل طرف أن يحكى القصة من وجهة نظرة ..
على سبيل المثال حكى الصحفى محمد حسنين هيكل فى حلقات تذاع له منتصف مارس 2013على (سى بى سى ) أن (الاخوان المسلمين ) لم يشتركوا فى ( حرب فلسطين ) بالصورة الضخمة التى تروج عنهم وقال إن الحرب كانت محدودة وإن الجيوش العربية التزمت بالقتال ضمن الأراضى العربية التى نص عليها قرار التقسيم وقال إن بطولات أحمد عبد العزيز لم تكن بالصورة التى راجت عنه وعن اشتراك (الاخوان المسلمين ) معه .
وقد قابلت أولاد البطل الشهيد أحمد عبد العزيز فى بيتهم بمنطقة الزمالك من سنوات وشرحوا لى جهاد والدهم وأمدونى بمقالات وتقارير نشرت فى حينه عن المعارك التى خاضها وأحاديث صحفية نشرت معه وعنه فى جبهة القتال وتدل كلها على قائد فذ أربك عدوه الاسرائيلى فى وقت كان كتيبة الضابط جمال عبد الناصر محاصرة فيه !
ثم التقيت مع الكاتب الصحفى بالأهرام مصطفى عبد الغنى وكان مما قرأته له كتابه عن البطل أحمد عبد العزيز والذى ذهب فيه إلى حد اتهام الخونة المحليين فى الجانب المصرى من قتله والايقاع به إذ أصابته رصاصة قاتلة فى جنح الظلام من الجانب المصرى بحجة أنه كان يسير بسيارته فى طريق غير معبد ولم يكن يعرف كلمة سر الليل وما أكثر الجرائم التى طواها الزمان ونقلت لنا محرفة على هوى من بيدة الحكم والسلطة فيما بعد !
ثم أن هناك عشرات الشهادات والكتب التى تناولت دور كتائب المتطوعين فى حرب فلسطين وكانت الأغلبية للإخوان المسلمين وكذلك عن دورهم فى الكفاح المسلح ضد الانجليز فى قناة السويس فى السويس والاسماعيلية وبور سعيد .
بالمثل هل يعرف أحد أن سربا مصريا من الطائرات بقيادة المقدم طيار محمد فكرى الجندى كان يقاتل مع السوريين فى حرب 6أكتوبر 1973 وأن هذا السرب قام بربع العمليات الجوية على جبهة الجولان وقد ذكرت كل ذلك فى كتابى ( سقوط الفانتوم ) المنشور سنة 2000وسبق نشره كحلقات مسلسلة فى صحيفتى (الخليج ) الإماراتية و( السياسة ) الكويتية ومما قاله لى اللواء طيار الجندى إن القوات العراقية ساهمت بدور كبير مع السوريين فى المعركة وأنقذت دمشق من السقوط .
فهل يعرف ذلك الجميع ؟ بالطبع لا .كما لا يعرفون أن الطائرات السعودية ساهمت فى الحرب بنقل الذخيرة بين مصر وسوريا بطائرات السى 130 وكذلك ساهمت الجزائر وليبيا والسودان فى المعركة فمن يتحدث عن ذلك الأن بعد أن صنع مبارك بإعلامه الكاذب التاريخ على مقاسه وهواه وصوروا الحرب ولخصوها فى الطلعة الجوية وهو قمة التزوير للتاريخ .
أعود الى هيكل الذى يقدسه أصحابه ويصنعون منه صنما وتابو لا يجب الاقتراب منه بينما يراه أخرون أنه ( صانع وبائع الأكاذيب الأول ) فى صحافتنا العربية وقد قرأت كل كتبه وحضرت بعض حواراته مباشرة فى معرض القاهرة للكتاب وفى الجامعة الأمريكية بالقاهرة قديما وأراه صاحب هوى فى كل الأحوال ولايتكلم لوجه الحقيقة المجردة وكثيرا ما يجعل من نفسة بؤرة الأحداث وقادر على تطويع ثقافته ومعارفه وخبراته فى الاتجاه الذى يريده . إنه ليس مثلا أحمد بهاء الدين الصحفى الذى احترم نفسه وقلمه وليس جلال الحمامصى ولا مصطفى أمين ولا حتى موسى صبرى الذى تناوله بما يسيئه فى مذكراته ( 50 عاما فى قطار الصحافة ) ومن شاء فليقرأ مذكرات موسى صبرى . ولذلك فأنا أقرأ لهيكل وأستمع له ولكن بعقل حذر لأنه لا يقول كل الحقيقة إلا إذا كان الأمر متعلقا بكتاباته الخارجية مثلما فعل مع إيران وثورتها وغيرها أما فى الشأن الداخلى المصرى فالحذر الحذر وهذا لا يقلل من قيمته ولا تاريخه ولكننى ممن  يعتقدون أن المصاقية قبل الحرفية والمهارة وأن الصدق قيمة فى ذاته ولذلك فكتاب احمد بهاء الدين ( محاوراتى مع السادات ) يظل بعشرة كتب لهيكل مثلا وكذلك مذكرات الشيخ الباقورى ( بقايا ذكريات ) وغيرها من الشهادات الصادقة حتى مذكرات موسى صبرى تنطق بالصدق فى كل سطورها لدرجة أنه اعترف بانحرافاته الجنسية فى شبابه وبقصة حبه للفنانة صباح والتى حذره بشأنها مصطفى أمين أستاذه قائلا له إن أجهزة الأمن تسجل له كل حواراته التليفونية معها ..هذا فى زمن عبد الناصر الذى كان يعد أنفاس الناس فهل تعجز أجهزة الأمن فى 2013 عن فتح ( ميدان التحرير) والكشف عن ( البلاك بلوك) و وقف تهريب السولار والدقيق ووقف انتشار المخدرات فى البلاد ؟ ..إنه مجرد سؤال !
 أيضا مما قاله هيكل إن ( الاخوان المسلمين ) مارسوا الاغتيالات قبل 1952 وهذا صحيح فقد اغتالوا رئيس الوزراء محمود فهم النقراشى والصحيح أيضا أن تلك الفترة كانت مليئة بالاغتيالات الساسية فقد مارس هذا الفعل الرئيس السادات وعد ذلك من بطولاته بعد الثورة ومارس ذلك جهاز ( الحرس الحديدى ) التابع للملك فاروق و( البوليس السياسى ) وبعض أجهزة المخابرات الأ جنبية على أرض مصر لدرجة أن الوكالة اليهودية كانت تضرب تجمعات اليهود فى القاهرة بالقنابل لإجبارهم على الهجرة لإسرائيل وللكاتب مصطفى عبد الغنى كتابا عن حسن البنا قال فيه إن قتله كان مؤامرة أمريكا ليست بعيد عنها !
المهم أردت من الأمثلة السابقة التأكيد على أن للحقيقة تفاصيل ووجوه متعددة وأن تطويع التاريخ لينطق بما تريده أنت وحدك قد لا يكون هو الحق ولا الصدق ومع ذلك أشهد أن كثيرا من تاريخنا لم يصل إلينا ولم يصنع محليا و ولم نكن فيه غير مجرد متلقين كسالى .
استطردت كثيرا وأختم هذا المشهد بدهشة واستياء لأن الماضى ممثلا فى هيكل لا زال يتصدر مشهدنا ولا زال يقابله الرئيس والقيادات كلها وهذه لفتة تؤكد أننا أسرى الماضى ولا نستطيع أن نعبره إلى المستقبل والوحيد الذى عبره كان السادات الذى فهم هيكل جدا فاستبعده من حاشيته فثأر هيكل لنفسه لا حقا بكتابه ( خريف الغضب ) الذى جرح فيه فى أصل السادات وعائلته وجذوره !
أيضا لا يفهم من كلامى انى ساداتى فأنا مصرى وسطى معتدل لست ناصريا ولا إخوانيا ولا سلفيا ومع ذلك أقول إن صراع اللحية والكاب مستمر وما تقاعس الشرطة أحيانا عن القيام بدورها إلا مجرد صورة من صور الصراع والمشاهد كثيرة ..ولكن هل سيحسم الصراع بنزول الجيش لتسلم السلطة ؟ أقول لا ومن مصلحة جيشنا الذى نحترمه ونقدره جدا جدا أن ينأى عن السياسة وألا يغامر بالنزول إلا إ ذا تعرضت الدولة المصرية لخطر السقوط وهو مالم نصل إليه بعد وأحسب ان مصر لن تصل إليه فنحن فى تبعات نظام يوليو العسكرى ل60 عاما منه 30 سنه لعصر مبارك الذى جعل مصر فى الحضيض وشوه الشخصية المصرية وخلق مراكز قوى رأسمالية وإعلامية تقبل بأن تسقط مصر أو تحتل ولا تنتقل لحكم مدنى ديمقراطى ونحن فى جبال من الفساد لا يقوى أى نظام ولو كان من كائنات الفضاء أن يقضى عليها وكما قلت مرارا أن ما حدث للأن مجرد تغيير سياسى فى قمة هرم السلطة فى مصر تبعا لسخط عام تحول إلى انتفاضة جماهيرية شاملة لكل البلاد ولم يتحول بعد الى ثورة لأن الثورة تعنى التغيير الشامل فى الطبقات الحاكمة وفى الاقتصاديين وفى مناهج التعليم وخطط الاعلام وبكل مناحى الحياة وتعنى إحالة أقوام للإستيداع مثل عمرو موسى الذى كان الأجدر به الأن أن يكتب مذكراته ويشرب قهوته بالنادى بدلا من أن يزعم أنه من الثوار وكذلك البرادعى المرفوض جماهيريا والذى لا يستطيع أن يواجه مائة فرد فى شارع !
أما وأن كل شيىئ على حاله من وزراء ومسؤلين ومدراء بكل مؤسسة فلم يتغير شيئ لدرجة أن من يتصدرون المشهد الإعلامى حاليا هم من كانوا يسبحون بحمد مبارك وعلى سبيل المثال من يتولون قيادة المجلة التى أعمل بها للأن هم من كانوا يدبجون مقالات المديح فى مبارك لدرجة أن أحدهم كتب يوم مرض وسافر للعلاج فى ألمانيا : (مين لنا غيرك ياريس ) وكتب أخر عن يوم مولده : (هذايوم ولدت فيه مصر ) !
على كل المعركة مستمرة حول الغنائم والمصالح وتأمين الامتيازات وكل الأطراف تدعى حب مصر والعمل من أجلها ومثلى ألاف من الناس مفعول بنا فى كل عصر ولم نرقى بعد لدرجة اللاجئين فى أوطاننا بل نحن أقرب إلى ( البدون ) وهم فئة فى الكويت وبعض دول الخليج مهمشة وغير معترف لها بأى حقوق !
وأواصل لاحقا ما بدأته من تحليل للصراعات التى أعقبت سقوط مبارك وللحق بيننا أقوام للأن يتساءلون : وهل سقط مبارك حقا ؟ ؟؟!      

الاثنين، 18 مارس 2013

مابعد البركان -يوميات الثورة المصرية ( 7) _صراع الكاب واللحية



أصدقائى تغيبت عنكم طويلا لأسباب عديدة منها سفرى ومرضى وتقفيل العدد الجديد من مجلة ( أموال ) التى أترأس تحريرها ولمتاعب نفسية من تفاهات الحياة ومنغصاتها التى يضايقنا بها الحمقى والخبثاء الذين تعج الحياة بهم الأن وللمأساة يتصدرون المناصب والصفوف ويتحكمون فى مصائر البشر فى مصرنا العزيزة التى سبق ووصفت ما جرى من تغيير فيها بأنه مجرد تغيير محدود فى قمة هرم السلطة فى مصر ولم يطل بعد كل مؤسسات الدولة وطريقة تدويرها و أن  ( عصابة مبارك ) بنفس أدواته وبنفس التحكم واحتكار المناصب العليا لم ترحل .ورغم أننى ممن أعطوا صوتهم فى الإنتخابات للرئيس محمد مرسى إلا أننى لست راضيا عن أداء حكومته ولا عن طريقة رد الفعل التى تعمل بها الحكومة إزاء عشرات الاحتجاجات و أشكال التذمر.
وأرى وكأن يدا تمسك بكل خيوط المسرح السياسى من معارضة وحكم وشباب ألتراس وكأن من بيده هذا الريموت يضغط عليه فتثور مدينة بورسعيد ثم يضغط مرة أخرى فتهدأ المدينة وكأننا فى لعبة على مسرح العرائس . نفس الشىء فى المحلة وطنطا و الكورنيش وأمام (ماسبيرو ) وفى ميدان التحرير ولست أصدق للأ ن أن الدولة المصرية عاجزة عن فتح الميدان وأنها عاجزة عن حماية نادى الشرطة أو اتحاد كرة القدم مثلا كما لم تكن عاجزة عن حماية  ذاكرة مصر فى (المجمع العلمى ) !
ولا أصدق للأن ان مصر عاجزة عن وقف تهريب السولار أو فك أزمته المستمرة ويصبح السؤال : من بيده الريموت وهل توجد قوة واحدة متحكمة فى القرار السياسى المصرى أم عدة قوى متصارعة ومتحالفة أحيانا ؟ وهل تلك القوى محلية فقط أم إقليمية ودولية أيضا ؟ .. بمعنى أخر فإن أمريكا ليست غائبة عن المسرح المصرى ولا الاتحاد الأوربى واعتقد مع من يعتقدون أن أمريكا لا يشغلها كثيرا من يعتلى عرش مصر ولا تونس ولا الجزائر ولا سوريا ولا الأردن مثلا بقدر ما تشغلها مصالحها الحيوية فى الإقليم والمتمثلة فى حماية اسرائيل و وتأمين إمدادات النفط وحماية الأقليات والمرأة والاقتصاد الرأسمالى الحرومن هذا الفهم عقدت تحالفاتها الجديدة القديمة واستبدلت وجوها بوجوه ونظاما بنظام ولكن أليات العمل والتعاون والمساوامات والصفقات واحدة ولم تتغير !
صراع الكاب واللحية
الملاحظة الرابعة أننى أرى ثمة صراعا بين (الكاب ) و( اللحية ) من سنة 1952 حتى يومنا هذا .أقصد بذلك صراع ( العسكر ) و( الإخوان ) منذ انقلاب الجيش فى 23 يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر ضد الملك فاروق وهو الإنقلاب الذى صار لاحقا ثورة بفعل التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة التى شهدتها مصر بعد ذلك .وهذا الصراع أحيانا يخرج للعلن ويأخذ شكل صدامات عنيفة كما فعل عبد الناصر وزج بألاف الإخوان فى السجون خاصة فى 1954 و1966 وأحيانا يأخذ الصراع شكل (التعايش المحسوب ) من الطرفين أوأن يستخدم طرف للأخر للإنتقام من طرف ثالث كما فعل السادات بضرب تيارات اليسار والناصريين والشيوعيين فى السبعينيات بتيار ( الإسلام السياسى ) فى الجامعات والنقابات وأماكن العمل الدعوى والإعلامى فى الصحف والإذاعة حتى انتهى به الحال للقتل بيد من ينتمون للفكر الجهادى فى وضح النهار وبين جنوده وفى يوم انتصاره الذى طالما فاخر وباهى به !
   واستمر الحال هكذا فى عصر مبارك بين شد وجذب وضرب هذا بذاك والسماح للإخوان بدخول الانتخابات على قائمة ( حزب العمل الاشتراكى )  بزعامة إبراهيم شكرى تارة وبالتحالف مع (حزب الوفد) تارة أخرى هذا رغم حظر الأحزاب الدينية وجماعة ( الإخوان ) قانونيا .وبينما حملت تيارات الفكر الجهادى السلاح فى وجه دولة مبارك فى التسعينيات راح تيار( السلفيين ) و(الجمعية الشرعية ) يتمدد بين القواعد الشعبية بمباركة النظام الذى وجد فيهم الوجه المسالم وغير الحركى للإسلام وفى أقل من عشرين عاما صار للسلفيين دعاتهم من المشاهير وصارت لهم قنواتهم الفضائية وتعجب الناس يوم اندلعت الثورة من حجم ظاهرة السلفيين مع أنهم وجدوا وانتشروا فى أخر عشرين سنة من حكم مبارك .لا أقصد بذلك أنهم كانو بمأمن من سجونه ومضايقاته ولكنها لم تصل لدرجة الحظر الكامل أو الحصار التام .
والأن أعتقد أن (صراع الكاب واللحية ) لا يزال موجودا مرات فى صورة علنية ومرات فى صور مكتومة ,وأعتقد أن أمريكا لها دور فى الأمر مرة بضبط الايقاع ومرة بالتفاهمات ومرة بالنصائح . وهذا الصراع هو جزء من صراع أكبر ليس حول الغنائم والمصالح والقيادة فقط بل حول هوية مصر وشخصيتها القومية . وهذه هى الملاحظة الخامسة التى سأتناولها فى المرة القادمة .ودمتم على خير .