هل أفرز
الربيع العربى أدبا وفنا ثوريا ؟
جلال
أمين: عشنا سنوات من القحط وشتاء قاسياً طويلاً وعلينا انتظار شروق الشمس
الموجي
الصغير: افن الآن كسيح وأشفق عليه من التيارات الدينية وأغاني الثورة وقتية ولن
تعيش
بكر:
الثورة أفرزت مطالب ولم تفرز أدباً ولا فناً و«الجرافيتي» انحصر في أعمال دعائية،
وكلنا مستهدفون بصناعة الكذب
قاسم:
المولود الثوري عمره صغير وأخشي أن نفشل في تأريخه كما فشلنا مع حرب أكتوبر 73
جابر:
باستثناء الأبنودي ونجم والقليل.. كل ما ظهر الآن «سبوبة» دعائية لأصحابها
الجيار:
لم تولد إبداعات جديدة فعاد الشباب لتراثه القديم
شعبان
يوسف: الأدب والفن الحقيقي سينضج علي نار هادئة
مراد: كيف
أكتب عن أرض تتحرك وظاهرة لم تكتمل؟!
فن الرسم
«الجرافيتي» أحد إبداعات الثورة.. وازدهار واسع لميديا الإعلام البديل من مدونات
ويوتيوب وفيس وتويتر
تقرير-
صلاح البيلي
هل أفرزت
ثورات الربيع العربي أدباً وفناً ثورياً؟.. وهل جاء ما أفرزته علي مستوي الحدث
الكبير الذي قلما يتكرر في عمر الشعوب إلا بعد عقود؟.. وهل تقييم المنتج الجديد في
صالحه كأدب وفني قادر علي الخلود وتحدي الزمن أم كان أدباً وفناً لحظياً وعابراً
ووقتياً لم يرقي لمستوي الثورة؟
سؤال كبير
تتصدي له «الوطن العربي» بعد مرور أكثر من عامين علي اندلاع ثورات الربيع العربي،
احتاج منا رصد لأبرز الإبداعات، وملاحقة ما أخرجته المطابع والحناجر، ثم ذهبنا
للنقاد للتقييم الأدبي والفني.
الحق إن
كتابات صدرت وأغاني لحنت ولكنها بالمجمل في رأي النقاد لم ترقْ بعد لمستوي الحدث
ولم تتفاعل بالشكل الموضوعي معه وجاءت متعجلة وغير ناضجة ووقتية، ويراهن الكثيرون
أن السنوات المقبلة ستنضج أدباً وفناً بعد اكتمال ظاهرة الثورة إن نجاحاً أو
فشلاً، وبالتالي سيأتي المولود مفعماً بالأمل أو يائساً محبطاً بعد قتل الأحلام
واغتيال التوقعات، وإلي التفاصيل.
علي ذمة
التحرير
علي ذمة
التحرير، ديوان شعر صدر للشابة فاطمة المرسي ضم 23 قصيدة وهو الثالث لها ورصدت فيه
بالعامية تجربتها مع الثورة ورد فعلها عليها، كما رصدت حالة الخوف المصري والعربي
بعد الثورات وعلي المستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد.
150 يوماً
أما
الكاتب الصحفي أسامة هيكل فكتب تجربته مع الثورة وفي وزارة الإعلام في كتابه: «150
يوماً في تاريخ مصر» كشف فيه كواليس الوزارة وقربه من دوائر الحكم والسلطة خلال
الفترة الانتقالية إبان حكم «المجلس العسكري» ولا يزعم أنه يقول كل الحقيقة ولذلك
يقول إنه كتب بعض الحقيقة مما عاشه وكان شريكاً فيه ويعترف بوجود وجوه أخري
للحقيقة لم يكن مشاركاً فيها ولا مطلعاً عليها لذلك لم يكتب عنها.
مستقبل
الثقافة العلمية
ويصدر د.
محمد زكي عويس كتابه بعنوان: «ثورة مصر ومستقبل الثقافة العلمية» محاولاً فيه
الربط بين الثورة كحدث كبير جداً وبين ضرورة التغيير في الثقافة العلمية في مصر
وفي عالمنا العربي.
ومن
الإبداعات الأخري التي ظهرت بعد الثورة: «يوميات ثورة الغُل» للدكتور نادر فرجاني،
والثلاثية الشعرية «إنجيل الثورة وقرآنها» للشاعر حسن طلب.. وكان طلب هو الشاعر
الوحيد الذي نشر قصيدة علي صفحة كاملة في «الدستور» ضد مبارك سنة 2005 عندما نجح
بالتزوير في الانتخابات الرئاسية وقال كلمة الحق عندما صممتت النخبة أو تواطأت مع
السلطة الحاكمة آنذاك.
كذلك من
إفرازات الثورة كتاب: «جمهورية عساكر + ثورة الكبش» لوحيد حامد و«ثورة علي ضفاف
النيل» لمحسن جودة وهو كتاب توثيقي بالصورة الفوتوغرافية، و«أرض أرض.. حكاية ثورة
الجرافيتي» لشريف عبدالمجيد، و«7 أيام بالتحرير» لهشام الخشن، وديوان للأطفال
بالرسومات لفوزية الأشعل عنوانه: «يعني إيه ثورة وطن»، وديوان: «ارفع رأسك عالية»
لحلمي سالم.
وخصصت
هيئة قصور الثقافة المصرية سلسلة جديدة باسم: «إبداعات الثورة» صدر منها: «ما تبقي
من بدايات بعيدة» لمحسن يونس و«باب العزيزية» لمحمد جبريل.
وصدر
لأحمد زغلول الشيطي «علي بُعد مائة خطوة» وللروائي إبراهيم عبدالمجيد «لكل أرض
ميلاد»، وصدر لسعد القرش كتابه عن المتحولين الذين غيروا مواقفهم وكتاباتهم بمجرد
اندلاع الثورة وغيروا جلودهم للتجاوب مع الواقع الجديد.
ازدهار
المدونات
وكما كانت
هناك 168 مدونة علي الإنترنت قبل الثورة في مصر وحدها فإن التدوين شهد طفرة كبيرة
من قبل الشباب والشابات لتسجيل يومياتهم عن الثورة والأحداث السياسية المتلاحقة
والسريعة التي تشهدها دول الربيع العربي، وكانت د. فاطمة الزهراء إبراهيم قد أعدت
رسالة دكتوراه عن المدونات بالجامعة الأميركية بالقاهرة، واللافت أن المدونات غير
السياسية أصبحت بحكم سطوة الواقع والتغيير الكبير تميل للكتابة السياسية وأصبحت
السياسة هي الزاد والشراب اليومي للمدونين.
كذلك
انتشرت تغريدات التويتر للشباب وعلي «فيس بوك» وللتجاوب مع الشباب أصبح غالبية
مشاهير السياسة والإعلام والأدباء والفنانين يلجأون لصفحات «فيس بوك» و«تويتر»
للتعبير عن آرائهم السياسية وهو اتجاه يتعاظم يوماً بعد يوم ويشكل ظاهرة جديدة من
الإعلام الإلكتروني أو الإعلام البديل للإعلام الرسمي الحكومي أو الخاص، وتحولت
هذه الصفحات لمواقع إلكترونية تقوم بإرسال الأخبار والرسوم الثورية والشبابية
ومقاطع الفيديو، وكما كانت صفحة «كلنا خالد سعيد» علي «فيس بوك» أحد محركات الثورة
في مصر بين الشباب ظهرت صفحات جديدة للشباب تدعو للمظاهرات وترفض كل أشكال الوصاية
والرقابة وهو نمط جديد من الإبداع العصري المتجاوز للمكان وكل مكان، وإذا كان لا
يدخل في فن الأدب فإنه علي الأقل يدخل في باب اليوميات الآنية وقيمته الحقيقية في
كونه سيعتبر خير توثيق ليوميات الثورة وما بعدها دون حذف أو تلوين أو إضافة، فهو
نوع من التعبير المباشر والحر وغير المحدود بسقف سياسي أو رقابي أو مكاني وفي
الوقت نفسه فاضح للمسكوت عنه في الإعلام الرسمي أو الرواية الرسمية للأحداث.
نجم وورد
الجناين
وكما كان
الشاعر أحمد فؤاد نجم «الفاجومي» لسان حال الشباب الثائر بعد هزيمة يونيو «حزيران»
1967 هو وتوأمه الملحن والمغني الراحل الشيخ إمام عيسي، عاد نجم ليتصدر المشهد
الثوري بقصائده خاصة «ورد الجناين» عندما وصف شباب الثورة بأنهم «الورد اللي فتح
في جناين مصر».. وكان نجم أبدع قصيدة: «رجعوا التلامذة يا عم حمزة» فتغني بها جيل
ما بعد الثورة وكذلك جيل الشباب الثائر بميدان التحرير في 2011 وما بعدها وفيها
يقول: «رجعوا التلامذة يا عم حمزة، للجد تاني، مصر إنتي اللي باقيت وإنت، قطف
الأماني، لا كورة نفعت، ولا أونطة، ولا المناقشة وجدل بيزنطة، ولا الصحافة،
والصفجية، شاغلين شبابنا عن القضية، قيمولنا صهبة، يا صهجية، ودوقنا طعم الأغاني،
رجعوا التلامذة للجد تاني، طلعوا التلامذة ورد الجناين».
الأبنودي
والميدان
أيضاً كان
الأبنودي المقيم بالإسماعيلية لظروفه الصحية هو فرس السباق الثاني مع نجم وتناغم مع
الشباب الثائر وأبدع قصيدته «ميدان التحرير» التي يصف فيها عصر مبارك بأنه «عصر
العواجيز» وقال بأعلي صوته: «إرحلي يا دولة العواجيز» وأثبت أن شعر العامية قادر
علي التجاوب السريع مع الأحداث الكبري للأمة وضم القصيدة ديوانه الجديد «الميدان».
ثورة مصر
الكبري
ثورة مصر
الكبري، هو كتاب للمؤلف إيهاب عمر سجل فيه أحداث ميدان التحرير يوماً بيوم، ويقول
إن الثورة بدأت يوم 22 يناير «كانون الثاني» 2011
في السويس قبل أن تنتقل للقاهرة بمناسبة «عيد الشرطة» يوم 25 يناير «كانون
الثاني» ويؤكد أنه أسرع بتسجيل الحدث قبل أن يتلون ويصبح له أكثر من وجه، حيث ظهرت
رواية إخوانية وسلفية وليبرالية للثورة وللأحداث وكادت الحقيقة تتوه لذلك كان
تدوين الحقائق المجردة مهمة سريعة للتاريخ لأن المتابع في كل عصر أن لدينا تاريخاً
رسمياً وتاريخاً آخر موازياً لكل حدث أو قصة!
ومع
اعترافه بأن «فزاعة الإخوان المسلمين» سقطت بالثورة ونزولهم للميدان إلا أن
الفزاعات عادت للعمل بشدة وحرب الدعاية السوداء والمعلومات والكذب عادت لتضرب
استقرار مصر ورهان الأعداء دائماً هو نشر الفوضي في البلاد التي شهدت «الربيع
العربي».. مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، أي أن القوي المعادية تعمل علي تحويل
معطيات الثورة ونتائجها من عناصر إيجابية إلي عناصر فوضوية وهذا هو التحدي الراهن
لكل دول الربيع العربي.
المغني
خانة
فنياً
ظهرت فرقة شبابية باسم «المغني خانة» بدأت سنة 2004 عندما اجتمع ثلاثة شباب هم
«نور جمال- شاعر، ومحمد فايد - إيقاع، وناشد الإنصاري - ملحن ومغني» وفي أحد
المقاهي الصغيرة بدأوا يغنون ألحانهم وبدأوا بأغاني فلكورية ثم اتجهوا للأغاني
الشعبية والثورية وعرفت طريقها لساقية الصاوي والمراكز الثقافية ومسرح الجنينة
والمشاركة بالمهرجانات غير الهادفة للربح وبيت السناري ومركز سعد زغلول الثقافي،
ورغم المشاكل المادية وعدم وجود مسرح ثابت إلا أن الفرقة توسعت وصمدت وتصر علي
تقديم فنها وكلها من الشباب بسن بين 25-19 سنة، إنهم ليسوا خريجين لكليات فنية
متخصصة ولكنهم يمثلون الفن المستقل المضاد للبيروقراطية، ومن الكلمات التي يتغنون
بها: «غني غنايا بصوت عالي، طلع سوادك في كلامك، قالوا الكلام زاد دو مسكر، وأنا
قلبي عطشان، للحظة طيش، وإياك تعيش عمرك تصبر، وإياك تموت من كتر العيش».
وسط البلد
أما فرقة
«وسط البلد» فهي فرقة قديمة نسبياً والمشهور منها الفنان والعازف هاني عادل، وهي
فرقة بدأت بأغاني شبابية خفيفة ثم غنت للثورة ونزلت الميدان وتحالفت مع مطالب
الشباب في التغيير، وكأنها كانت الفتح المبين لسواها من الفرق الشبابية فظهرت فرق
شبابية أخري مثل «إسكندريلا» و«كاريوكي» ويقول أمير عبدالحميد من «كاريوكي» إنهم
سببب الظروف الأمنية القلقة والخوف من بعض التيارات الدينية صاروا يقدمون حفلاتهم
داخل بيوت أصدقائهم، وهو الموقف الذي التزمت به فرقة «إسكندريلا» أيضاً وغيرها،
حيث يؤكد حازم شاهين أحد أعضاءها أنهم يقيمون حفلاتهم الغنائية في بيوت الأصدقاء
ويدعون الأصدقاء والمعارف إليها، ويقول إن مثل هذه «الحفلات البيتي» كانت موجودة
من زمان من أيام عبده الحامولي وصالح عبدالحي ومنيرة المهدية وأم كلثوم
وعبدالوهاب، ومع انتشار وسائل الإعلام الاجتماعي الجديدة أصبح من السهل تحميل
الحفلات علي اليوتيوب وفيس بوك وتويتر كي يتفاعل معها الجمهور من الشباب.
حمزة نمرة
وواكب
الربيع العربي صوت جديد بكلمات جديدة للمغني الشاب حمزة نمرة فجاء صوتاً جديداً
دون زعيق وهتاف للحناجر، ولكن ما يمكن وصفه «بالقوة الرقيقة» وانتشرت أغانيه علي
المواقع وتناقلها الشباب دون أن يظهر ولو لمرة واحدة علي فضائية رسمية أو بصحيفة
حكومية!
ونبقي مع
الفن الغنائي ونرصد أغاني لآمال ماهر ومحمد منير واكبت الثورة وكذلك لعمرو دياب
الذي عمد لتحسين صورته بعدما ارتبط اسمه بالنظام القديم، ولكن مجمل الأغاني تبقي
إما دعائية أو وقتية ولا ترقي للأغاني التي واكبت وتلت ثورة 1952.
كذلك
يبدأون نغمة الأفلام الجديدة بدأت بالتغيير كما ارتفع سقف الحرية وبدأ المؤلفون
يقتحمون مجالات جديدة تميل للجدلية بعد سنوات من أفلام «هلس» وكوميديا هز البطن
وتسفيه العقول.
شعبان
يوسف: ليس بعد
الشاعر
شعبان يوسف رئيس تحرير سلسلة «كتابات جديدة» بهيئة الكتاب يري أن الربيع العربي لم
يفرز أدباً ولا فناً حقيقياً بعد لأن طبيعة الأدب والفن أن ينضج علي نار هادئة ولا
يكون سريعاً أو متعجلاً، وإن كانت ظهرت كتابات شعرية جيدة للأبنودي ونجم وغيرهما،
ولكنها كتابات وإن كانت جيدة لا تغطي كل صورة المشهد أو الانفجار الكبير الذي جري
وأتوقع أن تشهد السنوات المقبلة ظهور كتابات روائية قيمة توثق للثورة وتحللها وهذا
يحتاج لبعض الوقت للتخمر.
مراد:
الأرض متحركة
ويتفق مع
الرأي السابق الروائي الشاب أحمد مراد الذي يقول: كتبت «فيرتيجو وتراب الماس
والفيل الأزرق» قبل الثورة، أما أحداث الثورة فلا أستطيع الكتابة عنها الآن، لأن
الأرض ما زالت متحركة والموقد يغلي بالفوران فكيف أكتب عن أرض متحركة، إن الأحداث
تتلاحق بسرعة والمواقف تتغير والآراء تتبدل ولا زلنا في خضم حدث الثورة ومن هنا لا
أستطيع أن أكتب عن ظاهرة لم تكتمل بعد، وقد يكون ذلك يوماً ما ولكن ليس الآن.
الجيار:
عدنا للتراث
الناقد
الأدبي د. مدحت الجيار رئيس قسم اللغة العربية بآداب الزقازيق يري أن الثورة لم
تقدم أدبها ولا فنها بعد ويتفق مع ما سبق أن هذا سيظهر لاحقاً، ويقول إن أكبر دليل
علي أن الثورة لم تقدم فنها الخاص أن الشباب عادوا للأغاني القديمة للأجيال
السابقة من أول «بلادي بلادي» لسيد درويش حتي أغاني نجم وعبدالحليم أي عاد الشباب
للتراث لاستلهامه من جديد، لأن واقعهم لم يفرز صوته الخاص بعد.
الزارع:
ظهر الجرافيتي
علي عكس
ما سبق يري الشاعر عبده الزراع أن الثورة أفرزت فن «الجرافيتي» للرسم علي الجدران،
كما أفرزت عشرات الأصوات ولكنها بالأقاليم ومن موقعه كمسؤول عن الثقافة الجماهيرية
بإقليم شمال الصعيد يري أن هناك عشرات الأصوات الأدبية في الشعر والقصة بنوادي
الأدب، ولكن في الأقاليم البعيدة عن القاهرة وأنها ستنضج لاحقاً لتشكل تيار عام.
جابر:
سبوبة
القاص
محمد جابر يتفق مع القائلين بأن الربيع العربي لم يفرز فناً ولا أدباً ضخماً،
ويقول: ما أفرزه الربيع العربي للآن في أكثره «سبوبة»، حيث قام بعض المثقفين
والإعلاميين بتسجيل يومياتهم ونشروها دون موضوعية أو تحليل عميق للحدث، طبعاً نجم
والأبنودي شاعران كبيران ومن عمالقة شعر العامية بالعصر الحديث، وللآن تبكيني قصيدة
«يا مِنة» للأبنودي عندما أقرأها، وكذلك «بلدي وحبيبتي» لنجم وفيها يقول: «انطلق
في الجو فجأة، صوت مفاجأة، صوت يخلي الدم يجمد، اصحي يا أحمد، وانتهي الحلم
الجميل، وابتدا الهم التقيل» وهي قصيدة أراها تنطبق علي واقعنا الراهن بمعني أن
أحلام الثورة وتوقعاتها وآمالها ماتت وبدأ الهم الثقيل.
وعن نفسي
نشرت قصة: «وكأن العالم تخلي عنها» بصحيفة «القاهرة» وأهديتها لشهداء الثورة، وقبل
الثورة كتبت في «المساء» مقال: «الانفجار الكبير» تنبأت فيه بالثورة من خلال
إبداعات سعد وهبة ومحمود دياب ومحمد جبريل، ولا أزعم «عنترية» ولكن أري ما يقدم
«سبوبة» والمثقوفن والنخبة انتشرت بالفضائيات وغالبيتهم ابتعدوا عن الموضوعية
ولديهم شهوة في الكلام رهيبة دون تفاعل مع واقعنا المتدهور ولا السقوط الذي وصلنا
إليه بل يستثمرونه لأنفسهم.
قاسم:
المولود صغير
الناقد
الأدبي والفني محمود قاسم يري أن المشهد الثوري من تضحيات وشهداء جعلت الناس تتصور
أنها صنعت أهم ثورة بالعالم لدرجة أن «أوباما» قال إن العالم لم يتعلم من المصريين
ثم اتضح للناس أن البالون انفجر كذباً ودون ثمرة حقيقية، كما أن المولود الثوري
عمره عامين فقط وهو عمر صغير ومحدود، ولذلك فالتجارب أغلبها متبور وغير موضوعية
لأننا لا نستطيع أن نقرأ رواية كتبت بحماس وانفعال، مثلاً كتب محمد العون رواية:
«ميدان التحرير» وهي يوميات تشبه صحيفة صدرت بالأمس وعن نفسي كتبت رواية اسمها
«الفوضي» وبعد أن استغرقت فيها وجدتها ساخنة جداً فتوقفت عن استكمالها، نفس الأمر
في الأفلام والأغاني التي أعقبت الثورة وتمحكت بها ظهرت «ملخبطة» وغير ناضجة
ومتبورة، وأخشي أن نعجز عن تقديم فيلم ضخم يؤرخ للثورة، كما فشلنا في تجسيد حرب
أكتوبر 73 في فيلم قوي.. وألاحظ أن أحداثنا تبدأ قوية جداً ثم تنتهي صغيرة فحرب
أكتوبر بدأت قوية وانتهت بالثغرة والثورة بدأت عملاقة وانتهت إلي ما نحن فيه وعليه
أري أننا لا نصنع نصراً كاملاً ولا ثورة كاملة ونفشل في استكمال ما بدأناه كما
نفشل في النهايات أو التشطيب.
بكر:
صناعة الكذب
المخرج
الفني والمؤلف وخبير الإعلام الإلكتروني ياسر بكر يري أن الثورة أفرزت مطالب ولم
تفرز أدباً ولا فناً ذي قيمة كما لم تفرز قادة، ويقول: حاولوا صناعة نم للثورة مثل
وائل غنيم وفشلوا فجاءوا بالفصيل المنظم الجاهز ذي الصورة الذهينة الإيجابية
كمقدنيين وهم «الإخوان المسلمين» وهم خرجوا للثور وكل التيارات الإسلامية كي تحرق
للأبد، أما الثورة فلم تفرز غير أعمال دعائية لبعض الهواة الذين لا يتعمقون داخل
الظاهرة ولا تداعياتها ولكنها قدمت شكلاً من أشكال الإعلام البديل مثل «الرسم
الجرافيتي» وهي رسومات دون المستوي الفني يقوم بها بعض الهواة وعندما رأيتها
وجدتها تناثر لوني دون إحساس أو مخاطبة للآخر بالرؤية البصرية التي هي أساس علم
الجرافيتي وليس أدل علي ذلك من التلوث علي جدران المؤسسات والعشوائية في الرسم،
وهذه النوعية من الرسم كانت موجودة من زمان بالرسم علي جدران الزائر لبيت الله
الحرام برسم الجمل والكعبة وبعض الجمل مثل «حج مبرور وذنب مغفور».
أما التغيير
الحقيقي الذي حدث برأيي فهو اختراق الشباب للمجتمع من أسفله أو ما يطلق عليه
«التغيير الجيلي» بإبداعاتهم وكتاباتهم وثورتهم العنيفة التلقائية وأري أننا نتجه
للفوضي وكل دول الربيع العربي مستهدفة ليل نهار بصناعة الكذب وحرب المعلومات وهو
ما رصدته في كتابي الجديد: «صناعة الكذب.. دراسة في أشهر القصص الخبرية المفبركة
بالصحافة المصرية»، وبالمجمل الثورة لم تسفر عن دراسة معمقة ولا ثمار حقيقية، بل
فوضي متوحشة بالشارع مع ترسيخ الإحساس بالدونية والهزيمة قبل أن تبدأ المعركة
والوقيعة بين عناصر الأمة من مدنيين وعسكريين وشرطة ومسلمين وأقباط لتفتيت الشعب
الواحد.
قتل الحلم
اجتماعياً
تري الباحثة الاجتماعية بجامعة عين شمس وسام السري وصاحبة مدونة: «بس ورحنا عملنا
ثورة» والتي شاركت بميدان التحرير أيام الثورة، تري أن المدونات التي كانت محفزاً
علي الثورة لم يعد لها بريق ما قبل الثورة، وتقول: القهر السياسي كان ينتج أدباً
وفناً حتي لو كان رمزياً مثل «شيء من الخوف» و«الزوجة الثانية» و«ثرثرة فوق النيل»
في السينيات، كذلك ظهرت مدونة «عايزة أتجوز» كنتاج للقهر الاجتماعي والسياسي في
عصر مبارك، أما الآن فقد وصلنا للفشل السياسي بعد ارتفاع سقف التوقعات لأقصي مدي،
وهذا الفشل لا يحفز علي الإبداع بل يقتل الكلمة والرمز والمعني ولذلك كان البديل
انتشار العنف في المواصلات وفي المجتمع.. لقد صبر المجتمع تحت حكم الاستعمار
فالملكية والعسكر ثم ظن أنه تحرر فوجد نفسه لم يصنع شيئاً فكانت السطحية في أي شيء
وتوارت الأصوات الجميلة في الإبداع الأدبي والفني ونعيش حالة خواء ثقافي وفني كما
وصف «وليم إدواردلين» المصريين أيام الاستعمار البريطاني لمصر، أي عادي المواطن
ليشرب كوب الشاي من الصباح للعصر!
كان
المواطن في زمن القهر يعبر عن ضغوطه بإبداع رمزي، أما في زمن الفشل فلا إبداع ولا
معني بل عنف وتدمير والتحول لجثة هامدة في الفضاء والثورة لأتفه الأسباب وكأن
الناس استسلمت لواقعها الميت، ونفس هذا الشعب هو الذي كان بالميدان ورأيت أخلاق
ميدان التحرير من تعاطف وتقاسم الخبز والماء وحماية البنات، ونفس الشعب هو الآن
بعدما يئس وأحبط تحولت ثورة من «ثورة الساجدين» - عندما وصفوه يصلي بالميدان وكأنه
في حرم الكعبة - إلي قتل الأحلام وأخطر شيء يتم الآن هو استبدال منظومة القيم
وتفريغ الشخصية من محتواها الإيجابي المتسامح الطيب ليحل محله العنف والتمدير
والحقد ولا أحد يتحمل الآخر وكأن كل واحد يريد أن يحيا وحده، وانتشر التخوين
والتشكيك في كل شيء وهذا ظرف زمني لا يمكن الإبداع فيه.
فاروق
الباز: ثورتنا كالبركان
للجولوجي
المصري المقيم في أميركا العالم د. فاروق الباز وصفاً يتناسب مع تخصصه للثورة
المصرية وغيرها من ثورات الربيع العربي إذ يقول إنها مثل البركان وإن ما تشهده مصر
وتونس واليمن هي توابع صغيرة له وفي كل الأحوال لن تعود الأرض كما كانت قبل
الثورة، لقد كانت مصر وغيرها قد وصلت لحفرة عميقة من اليأس والإحباط وهي الآن تولد
من جديد وتقف علي أعتاب أول خطوة للتقدم، وكما كان الشباب هم وقود الثورة فيجب علينا
تشجيع مبادرات الشباب بالأدب والثقافة والفنون والرياضة، والتركيز علي العلم
والبحث العلمي في كل مجالات حياتنا لا الفهلوة، ولا خوف من «الثورة المضادة» لأنها
مجرد ذبذبات صغيرة أو توابع صغيرة للزلزال وستتلاشي تدريجياً.
ويضيف:
أنا مطمئن بنسبة %100 بنتائج الثورة وبالربيع العربي بدون شك، وأولي النتائج عودة
الأمل وعودة الشباب للسياسة والعمل علام وعن نفسي الثورة المصرية جعلتني أفتخر
بمصريتي ولكن آثارها الإيجابية علي كل مناحي الحياة ستأخذ وقتاً كذلك علي الفن
والأدب ولكن بلا شك لن تعود عجلة الزمن للوراء أبداً.
الموجي
الصغير: الفن كسيح
ويري
الملحن الموجي الصغير أن الوقت ليس وقت إبداع ولا فن ويقول: كيف أمسك بالعود لأصنع
لحناً وأنا أسمع طلقات الرصاص من بيتي في وسط القاهرة تحديداً بشارع الشواربي الذي
كان أحد معالم القاهرة، وكيف أخلو بنفسي ومشاهد الجثث والدماء والجريمة من حولي في
كل مكان، إنني أشفق علي الفن لأنه لا يستطيع أن ينمو في هذا الجو بل لو ظهر سيكون
كسيحاً، ثم كيف يبدع المبدع وعلي رقبته سيف من التيارات الدينية المتربصة به، إنني
شاهدت فيلم «نهر الحب» فوجدتهم قطعوا كل مشاهد القبلات بين فاتن حمامة وعمر
الشريف.. وبذلك لن نقدم فناً بل سنقدم الفن الرديء أو الخالي من الدسم، لقد غني
عبدالحليم للثورة وكان صادقاً وعاشت أغانيه للآن وما بعد، أما الأغاني التي ظهرت
للآن فهي دعائية سريعة لن تعيش بل وقتية هدفها ركوب الحدث واستثماره ولذلك لن يكتب
لها الخلود وهذا مرتبط بغياب مدرسة الغناء الأصيل وهي قصة طويلة من المآسي.
جلال
أمين: ما بعد القحط
ختاماً
يري د. جلال أمين صاحب كتاب «ماذا حدث للمصريين» أن ثورة 25 يناير «كانون الثاني»
2011 في مصر حتماً ستقدم أدباً كما قدمت ثورة 1952 أدباء مثل يوسف إدريس ونعمان
عاشور وصلاح عبدالصبور وعبدالحليم والموجي وكمال الطويل في الغناء وأحمد بهاء
الدين في الصحافة، ويقول: إن التركيب الطبقي الجديد لم يتبلور بعد لينعكس في الزدب
والفن، فقد عشنا لسنوات في خواء تام وشتاء طويل وقاسي وسنوات من القحط في الإبداع
وحتماً ستظهر مواهب للتعبير عن التغيير الحاصل ولكنها الآن مجدر براعم جديدة إن
تكلمت ستعبر عن نفسها بذاتية وغير موضوعية وبتعجل، وعليه لابد من انتظار شروق
الشمس وإن طالت.
نشرت المقالة فى عدد مايو 2013 من مجلة ( الوطن العربى )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق