عذرا .. كنت أنوى الليلة قضاء وقت كبير فى كتابة مابدأته عن المقدمات التى قادت لقيام الثورة المصرية من وجهة نظرى وتحليلى الخاص ولكن حدث أمرا لم أخطط له إذ دعتنى زوجتى لمشاهدة فيلم رشحته لى فدخلنا غرفة نومنا وأطفأنا الأنوار وقمنا بتشغيل الفيلم على ( اللاب ) وقد كانت امسية شتوية جميلة مع فنجان كبير من القهوة ومتابعة فيلم أمريكى رائع حقا اثر فى وتأثرت به وحرك وجدانى ولمس أعماقى .ولأنى أعتبركم لستم مجرد قراء وأنا لست مجرد كاتب سأحكى لكم عن هذا الفيلم وأدعوكم لمشاهدته والإستمتاع به كما استمتعت أنا به ايضا ولنبدأ من اسم الفيلم ..
الكلمات (the words )
اسم الفيلم ( الكلمات ) وهو يحكى ثلاث قصص إنسانية فى قصة واحدة عبر ثلاثة أزمان متعاقبة ومتوازية وعبر التنقل بين باريس ما بعد الحرب العالمية الثانية و نيويورك فى أمريكا . وحقا الفيلم أخذنى لعالم السحر والخيال والغوص فى النفس البشرية وصراعها بين الحب والطموح وبحث كل إنسان عن أسطورته الخاصة ولاأملك إلا التعاطف مع جميع شخصيات الفيلم كما تعاطفت مع بطل رواية ( الجريمة والعقاب ) للروائى الروسى العظيم ( دستوفسكى ) وكذلك شخصيات الروائى الروسى العظيم أيضا ( تشيكوف ) وقد قرأت مجموعته الكاملة مرتين وهو بحق رائد القصة القصيرة بالعالم . لقد كانت روسيا زاخرة بأدباء عظام ولا أدرى ماذا جرى لها ونضب معينها منهم .هل الشيوعية هى السبب أم أن عصرنا الحالى لم يعد يستطيع إنجاب قامات كبيرة فى الشعر والقصة والرواي والأغنية . لأن نفس الأمر يقال على أوروبا التى أنجبت أدباء كبار وكذلك أمريكا حتى نصف قرن مضى ثم دخلنا عصر الصورة والكلمة السريعة غير الخالدة والطعام سريع الطهو قليل الفائدة . ويبدو أنه ضريبة التقدم وفاتورة الحضارة المعاصرة ولعنة المال لأننا كلنا صرنا مجرد تروس فى ماكينات عملاقة لا ترحم ولابد أن نستمر ونواصل ونستيقظ صباحا للذهاب إلى عمل يومى روتينى وسخيف وممل ونضطر لمجاورة شخصيات ثقيلة الظل و تحمل ضجيج وصخب يدمر أعصابنا ناهيكم عن المواصلات فى قاهرتنا ومصرنا العزيزة ذهابا وإيابا إلى البيت وهى وحدها قادرة على تحطيم أى قدرة على الإبداع !
كل ذلك من أجل دفع أقساط الشقة السنوية وفواتير الماء والكهرباء والغاز وشراء اللحم والسمك والطماطم والبصل و البطاطس والحلوى التى تحبها زوجتى وللعلم زوجتى من النوع الذى يشرب الشاى والقهوة مع الماء البارد وتتناول الحلوى فى نفس اللحظة !..كيف لا أعرف ولكنها الحقيقة . عموما يكفى هذا السر عن زوجتى الأن ولنعد الى الفيلم الذى شاهدته الليلة بوحى من زوجتى ولها الشكر على ذلك .
الفيلم يحكى فى قصته الأولى سيرة جندى أمريكى ذهب إلى باريس بعد الحرب العالمية الثانية وهناك بدأت علاقته بالقراءة وحب الكلمات من خلال صديق تعرف عليه فى وحدته العسكرية . وأحب فتاة من ريف فرنسا ثم اضطر للعودة إلى نيويورك ومن أجل حبه عاد إلى باريس وتزوج حبيبته وعمل فى صحيفة ما وأنجب طفلة جميلة ثم ماتت وكان موتها ومرارة فقدانها خاصة على زوجته أشبه بالبركان فعمد إلى كتابة مأساته على الألة الكاتبة واستمتع بالكتابة حتى ملته زوجته وتركته عائدة إلى أسرتها فى الريف واسترضاها واعادها وكان ترك لها قصتهما التى كتبها لتقرأها وكان فى بدء علاقتهما قد علمها الإنجليزية وهى علمته الفرنسية . عادت الزوجة ونسيت الحقببة الجلدية القديمة وبها أوراق القصة فوق أحد رفوف عربة القطار ومن صدمته لفقده قصته وضياعها أطاح بزوجته وفقدها وهام على وجهه لسنوات ثم عاد لنيويورك وحيدايتجرع ماضيه وفى إحدى سفرياته رأى زوجته السابقة على رصيف محطة أتوبيس ومعها زوجها وابنتها فلوح لها ولوحت له وعاد لأحزانه . ومرت الأيام وكان هناك مؤلف شاب لا يعترف أحد بما يكتبه وتلك هى القصة الثانية وكان عليه أن يعمل فى دار نشر لسد رمقه وزوجته التى كا ن يحبها وذهبا لقضاء شهر العسل فى باريس وهناك وقعت يده على الحقيبة التى كان فقدها الرجل الأول وكانت معروضة للبيع بمحل يبيع الأشياء القديمة واشتراها ليجد فى داخلها قصته فجذبته وكتبها من جديد على أنها من تأليفه وذهب بها لناشره فذهل من روعتها ونشرها على الفور باسم ( دموع على النافذة ) وحققت مبيعات عالية جدا وتغيرت حياة المؤلف الشاب .. اقتنى منزلا اوسع وأغلى وزاردت أرباحه وصارت قصصه القديمة العادية تنشر على السمعة والشهرة التى جلبتها له القصة حتى كان ان وقعت فى يد مؤلفها الأصلى الذى لم ينقطع عن هوايته فى حب القراءة رغم أنه أصبح عجوزا ووجد قصته ذاتها قد سرقها غيره ونسبها إلي نفسة . بحث عنه والتقاه وحدثت المواجهة الحتمية بين صاحب النص الاصلى وصاحب القصة والكلمات والمؤلف الشاب الذى سرقها وبدأت لحظة الحقيقة وكشف الغطاء عن الوهم وخداع الذات وهنا تتحول الشخصيتان تحولا جذريا عميقا . إنه صراع الروح والضمير مع الشهرة والمال ولعنة الكلمات التى تطاردالمؤلف الشاب الذى حقق مجده من عذابات الرجل العجوز الذى ضحى بزوجته وحبيبته من أجل كلماته فضاعت منه وهو الذى كان أحرص الناس على نشرها باسمه ثم بعد سنوات يجد مؤلفا مغمورا يحقق من نشرها مجدا وأرباحا . أليس كل واحد منا فيه جزء من صاحب الكلمات الأصلية ومن المؤلف الشاب الذى سرقها ؟ غدا إن شاء الله اواصل معكم الحديث عن الفيلم وتعليقى عليه كفيلم أعجبنى واعذرونى لأنى لم أواصل حديث السياسة الثقيل وحاولت أن أتخفف الليلة بحديث فى الفن والأدب وصراعلت النفس البشرية التى هى بالاصل وقود السياسة وبدونها لا تظل جمرة النار مشتعلة على الدوام وما قتل ( قابيل هابيل ) !.. نلتقى على خير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق