هذا ما كان من احتكاك غريب بثقافة وعادات وتقاليد شعب
أخر رغم أن الأتراك قريبون لنا فى العادات الشرقية وديننا واحد فماذا عن احتكاك أمى
القروية البسيطة بالقاهرة وناسها وانطباعاتها العفوية ودهشتهها بمجرد نزولها فى
محطة مصر . محطة القطارات وقولها إنها فى قدر مساحة قريتنا . وهذا كان انطباعى أنا
أيضا عندما زرت القاهرة لأول مرة بصحبة أبى الذى كان فى زيارة لبيت المناضل
إبراهيم شكرى فى شارع كورنيش النيل فى الجيزة !
لقد دارت الأيام
وسافرت أمى للقاهرة وحدها ذهابا وعودة . وركبت المترو وأتت حيث سكنى فى المعادى.
وسافرت الاسكندرية وحدها يوم كنت مديرا لمؤسسة دار الهلال بها كما سافرت للأراضى
المقدسة فى مكة والمدينة وكنت أنا أتوه إذا ما خرجت من أحد أبواب الحرم دون علامه
مسبقة اما هى فلا تتوه وكانت تصل لسكنها بالفندق وحدها . . كل هذا جاء على كبروبعد
وفاة أبى .ولكن فى حياته لم تبرح قريتها !
والعلم عند الله ربما أصحب أمى يوما فى رحلة قصيرة
لتناول طعام العشاء فى كنتاكى القمر أو المريخ بعد أن يسكنهما البشر ويصبح السفر
إليهما سهلا ميسورا . ولكن هل ستظل أمى
على قيد الحياه حتى يتحقق هذا الحلم ؟
ولنبدأ الحكاية من أولها حتى لا نغضب رجال النقد الأدبى
ويقولو ا : أين المقدمة والحبكة ثم الذروة والنهاية ؟ ويرطنوا .. فى الواقع
والمفروض وبما أن ويجب وهلم جرا .. نقول ونصلى على سيدنا الرسول : يا سادة يا قراء
أمى سيدة قروية عادية من أسرة حرفتها الفلاحة ولكنها لم تذهب للأرض أو الغيط إلا
مرات معدودة وبعد بكاء وإلحاح على والدها الذى هو جدى وكان ناظرا على الأرض
الزراعية فى زمن ماقبل ثورة 1952 وحكم الضباط بقيادة عبد الناصر . وبهذا المعنى
كان لا يصح أن تذهب بنت الناظر للأرض مثل بقية قريناتها من الأسر الفقيرة .
قريتنا
وأصل عائلة أمى من أشراف كفر صقر بالشرقية وتواتر من جيل
لجيل شفهيا أنهم من أل بيت الرسول . ونزح فرع منهم إلى قرية كفر الترعة الجديد .
التابعة لمركز شربين .والقرية عمرها نحو ثلاثمائة عام وجاء ذكرها فى كتاب ( وصف
مصر ) للحملة الفرنسية .
وأصل تسميتها ( كفر ترعة منية سنان الدولة ) . وسنان
الدولة هذا هو الذى سميت باسمه قرية ( السنانية ) المحازية لنيل دمياط من الجهة
المقابلة . وقد صارت اليوم الامتداد الطبيعى لدمياط . وكانت دمياط فى التاريخ
القديم ميناء وثغرا حيويا ومهما عن الاسكندرية قبل أن تأتيها المياة النقية بعد
حفر محمد على لترعة المحمودية وبعثها من جديد . كما كانت دمياط منفى للمغضوب عليهم
سياسيا وكتاب ( النجوم الزاهرة فى ملوك
مصر والقاهرة ) لابن تغرى بردى ملىء بعشرات القصص عن نفى أمراء المماليك إليها
بمجرد تغير خاطر السلطان عليهم وقد نفى عمر مكرم إليها بعد صدامه مع محمد على وعاش
بها ثلاث سنوات نحوسنة 1808م وكان نزلها أول مرة سنة 1798م هربا من الحملة
الفرنسية على القاهرة . وكان الدخول لدمياط بتصريح رسمى من ( المحتسب ) الذى كان
يقوم بدور الجمارك والشرطة ومباحث التموين والأداب وغيرها وكان هذا التصريح اسمه (
كاغد) كما ذكر د.جمال الشيال فى كتابه المهم عن دمياط .هذا لأولاد الناس أما
للعامة فكان يتم ختم الدخول والخروج على ذراع أحدهم . وكان مكان هذا المحتسب بسوق الحسبة بمثابة الجمرك . وكان هذا شائعا فى عصور
المماليك والعثمانيين . وكان السلاطين يهتمون بتحصين دمياط ضد غزوات الفرنجة من
أوربا والمعروفة بالحملات الصليبية . وقد
هدمت وعمرت أكثر من مرة .
المهم أن اسم قريتنا كان طويلا فاضطر الناس لاختصارة إلى
( كفر الترعة ) ولما كانت بجوارنا قرية ( كفر الترعة القديم ) بلدة خيرت الشاطرالقيادى
بالاخوان المسلمين والذى ضرب رقما قياسيا فى سنوات اعتقاله لدرجة أن أمه ماتت وهو
بالسجن فى نهاية زمن مبارك وأفرجوا عنه لساعات لحضور جنازتها وسط حراسة المئات من
أفراد الأمن !..المهم أصبحت قريتنا ( كفر
الترعة الجديد ) . وإلى جوارها من الناحية الأخرى ( رأس الخليج ) وهى قرية قديمة
يقال إنها ترجع فى سبب تسميتها إلى خليج أمير المؤمنين الذى تفرع من نهر النيل من
عندها . وهى بلدة مليئة بأضرحة الأولياء من سيدى على الحسينى إلى مسجد الأربعين
إلى الشيخ بلال وغيره الكثير . وهى بلدة عائلة أبى (البيلى النجار ) فنحن من أل
النجار . وتوجد فى القاهرة بجوار مسجد الفتح برمسيس جمعية لأل النجار فى مصرفى العمارة الملاصقة
للجامع وقد قابلت رئيسها المستشار عماد النجار نحو سنة 2006 فى مكتبه بوزارة العدل
وكان مساعدا للوزير . ويقال إنهم من بنى النجار فى المدينة المنورة .وإنهم أخوال
الرسول . وكعادة الناس زمان رحلوا من هناك لهنا وإلى كل مكان . ولكن تبقى الرواية
ولو شفهية تحكى أصل كل حكاية .ويذكر أحد أعمامى أن جدى محمود البيلى قد التقطت له
صورة مع الملك فاروق عندما زار تفتيش كفر سعد وبصحبته النقراشى ووزع عقود الأراضى
الزراعية على الفلاحين وصلى الجمعة بالابراهيمية القبلية وتناول غذاءه وكان ذلك فى
26 مارس سنة 1948م .ويذكر عمى أن الصورة تصدرت غلاف إحدى المجلات أنذاك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق