عندما
ذهبت لقضاء إجازة عيد الأضحي المبارك وسط عائلتي بإحدي القري بشمال دلتا مصر،
تحديدا في «المنصورة» وجدت هوس الصغار والكبار بالدراما التركية، يتابعونها بشغف،
وينتظرون مواقيت إذاعة المسلسلات علي الفضائيات العربية، خاصة المسلسل الأشهر
«حريم السلطان» الذي أصبح بطلاته وأبطاله أشهر من بعض السياسيين العرب، فالمشاهد
العربي صار ينطق أسماء «السلطان سليمان والسلطانة هيام وخديجة وإبراهيم باشا وسنبل
أغا» وغيرهم ويتابعهم بحب واهتمام!
ودفعني
ذلك الاهتمام من الجميع لمتابعة المسلسل فوجدت دراما تاريخية رائعة، بحوار هادئ
الإيقاع وديكوراتها الفخمة والموسيقي الهادئة، والصراعات البشرية العميقة، وكلها
تحت السيطرة بحنكة وخبرة دون ابتذال أو تهريج أو تسطيح أو انتهاك لخصوصية البيت
العربي بألفاظ بذيئة.
ثم
كان أن احتجت مع مطلع فصل الشتاء لشراء دفاية فوجدت البائع يخيرني بين الدفاية
التركي أو الصيني، ويمدح لي في مزايا الصناعة التركية، نفس الأمر حصل معي عند
شرائي خراطيم أحواض منزلية كانت مهمة لأعمال السباكة في بيتي فوجدت البائع يعرض
عليّ النوع الصيني والتركي ويمدح في
التركي.
كذلك
في صناعة الملابس والمفروشات والستائر أصبح الأتراك متقدمين جداً، أما عن المطبخ
التركي فحدث ولا حرج، فهو من الشهرة بمكان أن يتصدر المطابخ العالمية بعراقته
وأطباقه الشهيرة، وهو مطبخ متداخل جداً مع أذواقنا نحن العرب، حيث أخذنا من
الأتراك وأخذوا منا عبر أكثر من ستة قرون.
لقد
جاءنا العثمانيون قبل خمسة قرون غازين عندما نجح السلطان سليم الأول في قهر
المماليك واستولي علي الشام ومصر والجزيرة العربية بالسيف، أما الآن فإن أحفاد
العثمانيين يعودون إلي المنطقة لا بالسيف ولكن بالصناعة والتجارة «القوة الخشنة»،
وبالدراما والأفلام «القوة الناعمة»س.
لقد
طرق الأتراك أبواب «الاتحاد الأوروبي» سنوات طوال فلم تفتح لهم ولم يحصلوا علي
عضويته فولوا وجوههم إزاء الشرق العربي فنجحوا، وصارت كاريزما رجب طيب أوردغان علي
القمة بمواقفه السياسية المناصرة للحق العربي خاصة في فلسطين، ونجح «حزب العدالة
والتنمية» الحاكم في إحداث تحول اقتصادي كبير في تركيا في أقل من 10 سنوات وصارت
الجارة اليونان تشكو الأزمات الاقتصادية، في حين أن تركيا تواصل تحقيق النمو.
طبعاً
لدي تركيا مشاكلها الخاصة من أكراد وحرب سورية علي حدودها واستضافة اللاجئين
وضرورة إبداع صناعات استراتيجية ولكنها بدأت ووضعت أقدامها علي طريق النجاح، وتشكل
بلادنا العربية الحديقة الخلفية لمنتجاتها الصناعية والدرامية، وعندما تسيطر
مسلسلاتهم علي عقول أهلنا بجودتها فإننا لا نملك إلا أن نقول إن الأتراك عائدون
فمرحباً بهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق