الخميس، 31 يناير 2013

لغز الفجوة العقارية


في بلادنا العربية معادلة أشبه باللغز عند قراءتها للمرة الأولي، المعادلة تقول بأن الأوطان العربية تشهد أعلي معدلات للإنجاب بالعالم، وإن المرأة والرجل العربي الأعلي خصوبة بين رجال ونساء العالم في وقت نري فيه بعض البلاد الأوروبية «تشيخ» من ندرة الإنجاب، أيضاً بلادنا العربية أكثرها صحاري شاسعة، ولكن مع ذلك نعاني من نقص في المساكن فلا الشباب بقادر علي حيازة سكن خاص إلا بشق الأنفس، ولا أنظمة التمويل العقاري العربية نجحت في سد الفجوة الهائلة بين العرض والطلب، ولا الحكومات اتخذت من القرارات الشجاعة ما يحل المشكلة من جذورها، والمحصلة أننا نظل ندور في نفس الفلك وتتفاقم المشكلة السكانية عاماً بعد عام وتزداد الفجوة بين المعروض من السكن وبين الطلب عليه لدرجة أن متر الأرض في بعض مدن وقري مصر العادية بلغ عشرات الألوف من الجنيهات فما بالكم بامتلاك شقة سكنية!

إن العقار من المطالب الأساسية لكل مواطن، وهو حق ثابت كحقه في الماء والهواء والتعليم والرعاية الطبية، أما أن يتحول هذا الحق الذي يجب أن تكفله حكوماتنا إلي مشكلة مزمنة فذلك هو اللغز الأكبر.

نعم لدينا الأرض الشاسعة في كل بلادنا من الخليج للمغرب، ولدينا الأموال، ولدينا الطلب المتنامي من شريحة الشباب العربي المقبل علي الزواج سنوياً، ولكن بالمقابل لدينا مستثمرون ومطورون عقاريون عينهم علي الإسكان الفاخر والفندقي والفيللات والشاليهات وليس علي إسكان الطبقة المتوسطة، ولدينا وزارات عينها علي الربح المبالغ فيه من وراء مشروعاتها السكنية، ولدينا بنوك هدفها الربح المضاعف علي حساب توفير السكن لمستحقيه لدرجة أن بنوك الإسكان والتعمير المتخصصة صارت سيئة السمعة، ومن وضعه حظه التعس في طريقها مرة ابتعد عنها للأبد وبغير رجعة!

وعندما شرعت حكوماتنا في سد الفجوة العقارية عمدت لوضع قوانين للرهن والتمويل العقاري أقل ما توصف به أنها لا تقدم حلولاً ولا تخفف من عبء المشكلة لأنها تأسست أيضاً بعقلية الربح المغالي فيه علي حساب المستهدف من التمويل.

لقد أخبرني أحد أبرز المطورين العقاريين بأن عائد «الصناديق العقارية» في الدول الأوروبية يتراوح بين %8-6 في حين أنه سيكون بين %14-13 حال عملها في بلادنا العربية، خاصة في بلاد الخليج العربي وفي مصر، معني هذا أن السوق جاذبة جداً لتحقيق عائد سريع ومرتفع لدورة رأس المال.

والحل؟.. لابد أن تتدخل الحكومات بشكل مباشر بتقديم الأرض المرفقة بكامل مرافقها الأساسية للمطورين العقاريين مقابل شروط صارمة ونسبة ربح معقولة علي أن تكون أبرز الشروط تخصيص الوحدات السكنية للشباب وبأقل مقدم وأقل نسبة تقسيط وعلي أطول فترة من السنوات.

أيضاً لابد من تحديث قوانين التمويل العقاري لتتناسب مع شباب محدود الدخل مع استحداث بدائل كاستثمار أموال «الوقف» في السكن، وتقدم البنوك لإقامة مشروعات سكنية بتسهيلات ميسرة، وأن تتولي كل وزارة عبء توفير السكن لموظفيها وذويهم وأنتخصص في الموازنات الحكومية شرائح كبيرة من السيولة لدعم السكن الخاص والعائلي، ولا أقول «الإداري والتجاري» وإن كانا يعانيان من نفس الفجوة ولكن بدرجة أقل.

إننا إذا كنا نطالب شبابنا بالانتماء وعدم السخط فعلي الأقل نوفر له أربعة جدران علي قطعة أرض في بلده كبداية وكرابط متين بينه وبين أرضه، أنني آمل أن تصبح بلادنا واحات خضراء للحياة والسكن والطمأنينة بدلاً من أن تنتهي إلي مجرد مستقر نهائي في قبر متر في متر، الحياة هي الأصل فيا أولياء أمورنا ساعدوا شبابنا العربي علي الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق