الأربعاء، 29 يناير 2014

كل أمهاتنا قاصرات !

نعود لأمى التى لم تزر شربين التى  تبعد عن قريتهاإلا بأقل من عشرين كيلو مترا إلا مرات معدودة . أما المنصورة فلم تزرها أمى خلال نصف قرن إلا مرتين .. الأولى وعمرها أقل من 14 سنة للتسنين بغرض الزواج . وهو لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة . أن يوقع طبيب مختص على شهادة رسمية بأن أمى بلغت سن الزواج . وكان الزواج يتم قديما فى سن صغيرة .غالبا  فى سن 12 و13 سنة . أى يأخذون الطفلة (من الدار للنار ) على رأى المثل وهو المسمى حاليا بزواج القاصرات وكان سن الزواج للفتاة قانونيا 14 سنة ثم رفع إلى 16 ثم  ل 18 سنة حاليا فزادت نسبة العنوسة فى القرى ولا نعرف ماذا يخبىء لنا المجلس القومى للمرأة أيضا وأظن أنه سيظل يرفع سن الزواج ل20 ثم 30 وقد يصل ل50 سنة . ومع اتجاه الفتاة العصرية لتحدى الرجل واعتبارة العدو الأول ومصاص الدماء والشيطان والثعبان الأقرع قد نصل لا ستغناء النساء عن الرجال ويا دار ما دخلك شر ونفضها سيرة !
المهم لم تكن أمى فى زواجها المبكر أعجوبة عصرها بل كانت هكذا كل نساء مصر خاصة فى القرى . أى أن كل جدودنا فى عرف مجلس المرأة الحالى متهمون بتزويج القاصرات . وتذكر أمى للأن أنها كانت تلعب فى الشارع مع الأطفال وكانت تظن أنها ستذهب للبيت الأخر أى بيت جدى وأبى للعب ولم تتصور أنها ستتحمل مسؤلية بيت وحمل وخلافه .بصراحة أمر صعب  وفيه ظلم حقا للفتاة. خاصة أنها حملت بمجرد زفافها فى أخى الأكبر يسرى وتقول إنهاكانت لا تستطيع أن تمشى فى أخرحملها وكانت تمشى مقوسة الظهر وتخجل من أشقائها الكبار وكأنها متهمة . هكذا كانت التربية زمان أما فى زماننا الميمون بعد قوانين ( جيهان وسوزان ) فإن الرجل هو الذى يتوارى خجلا من المرأة وقد يندثر كائن الرجل قريبا ويصير من الأشياء الأسطورية المنقرضة !
أما المرة الثانية التى ذهبت فيها أمى للمنصورة فكانت بعد وفاة أبى وبهدف استئصال الرحم بمستشفى الجامعة . كان ذلك وعمرها نحو خمسين سنة وكنت فى كلية الإعلام أنذاك . وكانت الدنيا لا زالت بخير لحد ما أو هكذا كنت أتصورها قبل أن أفهم وأعرف . والمعرفة قلق ووعى ومسؤلية . وللرسول عليه السلام مقولة : (لو علمتم ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ). أى أن أمى لم تزر المنصورة غير مرتين وشربين مرات معدودة على الأصابع حتى ذلك التاريخ وكان عالمها محصورا فى بيتها وقريتها وكان بيتها مملكتها . وكانت شاطرة فى تربية الطيور من حمام وأوز وبط ودجاج وأرانب . وذات نفس للأن فى الطهى والعجين والخبيز وشوى السمك فى الفرن . وأشهد أنى عشت طفولة رائعة حتى بما فيها من معاناة أحيانا وتربيت على طعام صحى وطبيعى لم يعد متاحا اليوم لأحد .
تعليمها
فما هو تعليم أمى ؟ أو ثقافتها أو مصادرها للمعرفة ؟ .. حصلت أمى على قدر بسيط من التعليم قبل 1952م أى لرابعة ابتدائى كما تتذكر وأتاح لها ذلك أن تقرأ القرأن الكريم وأى كتاب أو صحيفة أو مجلة تقع فى يدها لدرجة أنها كانت تقيم مقالاتى وموضوعاتى الصحفية عندما عملت بالصحافة وحتى الأن . وتقول لى رأيها الفطرى البسيط ولكنه يكون صوابا دائما وعميقا . وتتابع أمى مقالات سكينة السادات فى مجلة ( حواء ) وهى تتناول موضوعات اجتماعية من زواج وانفصال وفراق. وكلما دخلت البيت بكتب تتصفحها وتختار ما يناسب مزاجها لتقرأه وما عداه لا تلتفت إليه وتصفه بأنه ( هايف ) !
أنبياء الله
وأذكر أنى كنت فى زيارة لبيت الكاتب الجميل الراحل أحمد بهجت فى مصر الجديدة وأهدانى كتابه ( أنبياء الله ) وعدت للبيت فوضعته على المنضدة . فأخذته أمى وظلت تقرأ فيه للساعة الثانية بعد منتصف الليل وكأنها سوف تمتحن فيه باكر ولم تتركه إلا عندما أطفأت الأنوار عليها كى تنام وتريع عينها . وواصلت يوميا القراءة فيه حتى أكملته . وأمى تنجذب عادة للكتب الدينية ولكن انجذابها لهذا الكتاب أنذاك لفت انتباهى وقد حكيت هذه الحكاية لأحمد بهجت ففرح كثيرا وأخبرنى أن بهذا الكتاب سرا لا يعرفه فقد طبع عشرات الطبعات وترجم مثلها وكأنه لم يكتب غيره . وقد قرأت الكتاب لاحقا فوجدته ليس تاريخا للأنبياء بل هو سرد قصصى صوفى لسيرهم الذاتية فى عبارة واضحة وجملة قصيرة وتفسير إنسانى للمواقف التى تعرضوا لها .
بابا شارو
أما المصدر الثانى للمعرفة قبل ظهور التليفزيون فكان الراديو . وأمى سميعة راديو للأن وأنا مثلها . وكانت تتابع برنامج ( ربات البيوت ) الصباحى                 
 الشهير وكلمة الإذاعية صفية المهندس زوجة وتلميذة الإذاعى ( بابا شارو ) كما تتابع ( على الناصية ) لأمال فهمى . وكانت تجمعنا ونحن صغار أولادها الثلاثة على المسلسل الإذاعى الذى يعقب نشرة أخبار الخامسة بالبرنامج العام وكان موعده فى الخامسة والربع بعد الظهر وكانت هناك تمثليات إذاعية شهيرة فى ذلك الوقت . وكانت تتعجب كثيرا من تكرار ذكر صفية المهندس لبابا شارو  فهو الذى علمها وهو أستاذ كل الاذاعيين وهو الكاتب والموسيقى والأب والزوج و..فقلت لها لأنه زوجها . فالإذاعة مثل كل شىء فى مصر عائلية وبالوراثة . فكانت تسألنى عن معنى بابا شارو ! فلا أعرف ماذا أقول ولكنى قلت لها إن اسمه الحقيقى محمود شعبان وهو اسكندرانى . وبصراحة ماما صفية كانت مبالغة حبتين فى تعظيم بابا شارو . وكل فترة تقول : بابا شارو قال وبابا شارو عمل وأنا قلت لبابا شارو لدرجة مستفزة وكأن بابا شارو هو الإذاعة والدنيا كلها ! عموما يا بخته لما زوجته تراه بعيونها وكأنه الدنيا كلها . أما الأن فالزوج هو المنيل والمدهول واللى ما يسمى والعدو المستحق للموت . بالتأكيد زمان كان زمن الاحترام للرجل والمرأة وعندما قرأت مذكرات ولدى أحمد أمين ( جلال وحسين )- وهو بالمناسبة أحد أهم من قرأت لهم فى التراث –وجدت أن زوجته لم تنادى عليه باسمه مجردا أبدا.
دخول التليفزيون
وعندما دخل التليفزيون بيوتنا بعد دخول الكهرباء فى فترة ما بعد حرب أكتوبر 1973 صار مصدرا للأخبار والترفيه خاصة فى رمضان بعد الافطار وكان هناك مسلسل واحد على القناة الأولى وأخر لاحقا على القناة الثانية . وكانت المسلسلات رائعة تأليفا وتمثيلا مثل ( عائلة الدوغرى وليالى الحلمية ورحلة أبوالعلا البشرى وعصفورالنار ) وغيرها . وكان التليفزيون ينهى برامجه فى منتصف الليل . وكان هذا عين الصواب قبل أن يصيبنا طوفان الدراما على كل شكل ولون .. مصرى وسورى وتركى وأمريكى وهندى ويايانى !وزادت الفضائيات العربية عددا وتفاهة وسخافة لدرجة التخمة وما بعد التشبع وصار الإرسال على مدار 24 ساعة وياللعجب والخسارة .وكأننا أمة خلقت للهو !
عموما ظلت أمى وفية للراديو ولم تنجذب للتليفزيون إلا مؤخرا بعد انتشار القنوات الدينية والتى وجدت فيها طريقة عصرية لتعلم أمور دينها . نعم إنها تصلى وتصوم وتؤدى فرائض دينها من صغرها ولكنها لم تكن متبحرة فى الدين وليس مطلوبا منها ذلك.           

 وقبل الراديو والكهرباء والتليفزيون كانت لأمى مصادرها المعرفية بداية من الشيخ بلال ووالدها الشيخ عبد الصمد وأشقائها والحاجة اعتماد ونهاية بأبى وأم على وبنا نحن أولادها الثلاثة ( يسرى وخالد وأنا ) عندما تعلمنا وكبرنا ولنبدأ بالشيخ بلال ..

العشاء فى كنتاكى القمر !

هذا ما كان من احتكاك غريب بثقافة وعادات وتقاليد شعب أخر رغم أن الأتراك قريبون لنا فى العادات الشرقية وديننا واحد فماذا عن احتكاك أمى القروية البسيطة بالقاهرة وناسها وانطباعاتها العفوية ودهشتهها بمجرد نزولها فى محطة مصر . محطة القطارات وقولها إنها فى قدر مساحة قريتنا . وهذا كان انطباعى أنا أيضا عندما زرت القاهرة لأول مرة بصحبة أبى الذى كان فى زيارة لبيت المناضل إبراهيم شكرى فى شارع كورنيش النيل فى الجيزة !     
 لقد دارت الأيام وسافرت أمى للقاهرة وحدها ذهابا وعودة . وركبت المترو وأتت حيث سكنى فى المعادى. وسافرت الاسكندرية وحدها يوم كنت مديرا لمؤسسة دار الهلال بها كما سافرت للأراضى المقدسة فى مكة والمدينة وكنت أنا أتوه إذا ما خرجت من أحد أبواب الحرم دون علامه مسبقة اما هى فلا تتوه وكانت تصل لسكنها بالفندق وحدها . . كل هذا جاء على كبروبعد وفاة أبى .ولكن فى حياته لم تبرح قريتها !
والعلم عند الله ربما أصحب أمى يوما فى رحلة قصيرة لتناول طعام العشاء فى كنتاكى القمر أو المريخ بعد أن يسكنهما البشر ويصبح السفر إليهما سهلا ميسورا . ولكن هل ستظل أمى  على قيد الحياه حتى يتحقق هذا الحلم ؟
ولنبدأ الحكاية من أولها حتى لا نغضب رجال النقد الأدبى ويقولو ا : أين المقدمة والحبكة ثم الذروة والنهاية ؟ ويرطنوا .. فى الواقع والمفروض وبما أن ويجب وهلم جرا .. نقول ونصلى على سيدنا الرسول : يا سادة يا قراء أمى سيدة قروية عادية من أسرة حرفتها الفلاحة ولكنها لم تذهب للأرض أو الغيط إلا مرات معدودة وبعد بكاء وإلحاح على والدها الذى هو جدى وكان ناظرا على الأرض الزراعية فى زمن ماقبل ثورة 1952 وحكم الضباط بقيادة عبد الناصر . وبهذا المعنى كان لا يصح أن تذهب بنت الناظر للأرض مثل بقية قريناتها من الأسر الفقيرة .
قريتنا
وأصل عائلة أمى من أشراف كفر صقر بالشرقية وتواتر من جيل لجيل شفهيا أنهم من أل بيت الرسول . ونزح فرع منهم إلى قرية كفر الترعة الجديد . التابعة لمركز شربين .والقرية عمرها نحو ثلاثمائة عام وجاء ذكرها فى كتاب ( وصف مصر ) للحملة الفرنسية .
وأصل تسميتها ( كفر ترعة منية سنان الدولة ) . وسنان الدولة هذا هو الذى سميت باسمه قرية ( السنانية ) المحازية لنيل دمياط من الجهة المقابلة . وقد صارت اليوم الامتداد الطبيعى لدمياط . وكانت دمياط فى التاريخ القديم ميناء وثغرا حيويا ومهما عن الاسكندرية قبل أن تأتيها المياة النقية بعد حفر محمد على لترعة المحمودية وبعثها من جديد . كما كانت دمياط منفى للمغضوب عليهم سياسيا  وكتاب ( النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ) لابن تغرى بردى ملىء بعشرات القصص عن نفى أمراء المماليك إليها بمجرد تغير خاطر السلطان عليهم وقد نفى عمر مكرم إليها بعد صدامه مع محمد على وعاش بها ثلاث سنوات نحوسنة 1808م وكان نزلها أول مرة سنة 1798م هربا من الحملة الفرنسية على القاهرة . وكان الدخول لدمياط بتصريح رسمى من ( المحتسب ) الذى كان يقوم بدور الجمارك والشرطة ومباحث التموين والأداب وغيرها وكان هذا التصريح اسمه ( كاغد) كما ذكر د.جمال الشيال فى كتابه المهم عن دمياط .هذا لأولاد الناس أما للعامة فكان يتم ختم الدخول والخروج على ذراع أحدهم  . وكان مكان هذا المحتسب بسوق الحسبة  بمثابة الجمرك . وكان هذا شائعا فى عصور المماليك والعثمانيين . وكان السلاطين يهتمون بتحصين دمياط ضد غزوات الفرنجة من أوربا والمعروفة  بالحملات الصليبية . وقد هدمت وعمرت أكثر من مرة .

المهم أن اسم قريتنا كان طويلا فاضطر الناس لاختصارة إلى ( كفر الترعة ) ولما كانت بجوارنا قرية ( كفر الترعة القديم ) بلدة خيرت الشاطرالقيادى بالاخوان المسلمين والذى ضرب رقما قياسيا فى سنوات اعتقاله لدرجة أن أمه ماتت وهو بالسجن فى نهاية زمن مبارك وأفرجوا عنه لساعات لحضور جنازتها وسط حراسة المئات من أفراد الأمن !..المهم  أصبحت قريتنا ( كفر الترعة الجديد ) . وإلى جوارها من الناحية الأخرى ( رأس الخليج ) وهى قرية قديمة يقال إنها ترجع فى سبب تسميتها إلى خليج أمير المؤمنين الذى تفرع من نهر النيل من عندها . وهى بلدة مليئة بأضرحة الأولياء من سيدى على الحسينى إلى مسجد الأربعين إلى الشيخ بلال وغيره الكثير . وهى بلدة عائلة أبى (البيلى النجار ) فنحن من أل النجار . وتوجد فى القاهرة بجوار مسجد الفتح برمسيس  جمعية لأل النجار فى مصرفى العمارة الملاصقة للجامع وقد قابلت رئيسها المستشار عماد النجار نحو سنة 2006 فى مكتبه بوزارة العدل وكان مساعدا للوزير . ويقال إنهم من بنى النجار فى المدينة المنورة .وإنهم أخوال الرسول . وكعادة الناس زمان رحلوا من هناك لهنا وإلى كل مكان . ولكن تبقى الرواية ولو شفهية تحكى أصل كل حكاية .ويذكر أحد أعمامى أن جدى محمود البيلى قد التقطت له صورة مع الملك فاروق عندما زار تفتيش كفر سعد وبصحبته النقراشى ووزع عقود الأراضى الزراعية على الفلاحين وصلى الجمعة بالابراهيمية القبلية وتناول غذاءه وكان ذلك فى 26 مارس سنة 1948م .ويذكر عمى أن الصورة تصدرت غلاف إحدى المجلات أنذاك . 

الأربعاء، 22 يناير 2014

(1) وهزمنا الأتراك يارجالة !


 ما كان يدور بخلدى أن يوما سيأتى لأصحب أمى فى رحلة للقاهرة ولكن يثبت الزمان أنه كفيل بكل شىء وما كان مستحيلا بالأمس هو اليوم فى حكم المتاح والسهل وغدا لا يعلمه إلا الله ولكنه بالتأكيد يحمل مفاجأت وانجازات مذهلة ستغير وجه الحياة على الأرض وستغير الإنسان إلى حد كبير وإن  بقى فيه إنسانيته كعنوان على  طبيعته البشرية التى إن فقدها تلاشى وانتهى !
رفاعة فى باريس  
سافر الفتى الصعيدى رفاعة الطهطاوى إلى باريس فى القرن التاسع عشر فكتب عن كل ما أثار دهشته وضمه فى كتابه : ( تخليص الإبريز فى تلخيص باريز) وعاد ليتبوأ المناصب العليا فى دولة محمد على وأولاده حتى كون ثروة بلغت قرابة الألفين فدان بعضها بحر ماله وأكثرها عطايا من الوالى  محمد على ومن الخديو إسماعيل وورث الثروة ولداه ( بدوى وعلى فهمى ) .
وعندما سافر طه حسين لفرنسا واستقر فى السوربون حدث له انقلاب مماثل لما حدث له عندما جاء من قريته بالمنيا ليلحق بالتعليم فى الأزهر وهو ماسطره فى كتبه خاصة ( الأيام ) .
وكذلك فعل توفيق الحكيم وعبد الرحمن بدوى وصديقنا المثقف سعيد اللاوندى الذى مكث بباريس 10 سنوات .
ولكن هل فكر أحد فى الكتابة عن القاهرة بزخمها وزحامها بعدسة فلاحة مصرية ؟ٍ هذا ما أفعلة . وهل ظن أحد أن مزارات القاهرة لا تزيد على أضرحة أل بيت الرسول والأولياء والصالحين مثل الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة ؟ هذا ما ننفيه بزيارة الأوبرا والأهرامات ومقهى الفيشاوى .
وحتى نعرف كيف ترى العين الغريبة عن المكان ما لا يراه ابن المكان أو إذا رأه عده شيئا عاديا سأحكى لكم هذه الحكاية الطريفة يوم سكنت فى المدينة الجامعية للطلاب وأنا أدرس بكلية الإعلام فى جامعة القاهرة فى الفترة من 1986 إلى 1990 وكانت تقع فى ( بين السرايات ) فى مكانها الحالى . حيث سكنت مع زميل صحفى بالأهرام الأن وكان دودة مذاكرة فمن أول يوم معه أشعرنى أنى مقصر لأنى كنت أذهب للندوات والمكتبات نهارا وأذهب للمسرح ليلا حيث شاهدت ( دماء على ستار الكعبة ) لفاروق جويدة على المسرح القومى بالعتبة وكانت تدور حول الصراع بين الحرية والاستبداد من خلال قصة هجوم الحجاج على الكعبة بالمنجنيق بأداء رائع لسميحة أيوب ويوسف شعبان وما أذكره من تهديد الحجاج هذا الشعر : ( سأبنى فى قلوب الناس سجنا – وأجعل من مأقيهم وشاحا) ( جعلناها انفتاحا فى انفتاح – وإن شئنا جعلناها انفشاخا ) . ثم أنى كنت أحب القعدة واللمة مع الزملاء الذين صاروا صحافيين الأن وكان زميلى هذا يكره الزيارات وينفخ ويزمجر ولا يتورع عن طردهم فقلت أنفد بجلدى وأسكن مع زميل أخر !
بحثت فى المدينة الجامعية كلها مع مشرفى المبانى حتى عثرت على غرفة بها رجل تركى وفيها سرير شاغر . فقلت تركى تركى المهم أنقل ونقلت ومن أول وهلة تعارفنا . كان اسمه ( عكاش قرة قوش ) من محافظة (مرقش) بجنوب شرق تركيا وكان فى الأربعين . وحضرلمصر من أجل اتقان اللغة العربية بالحضور فى محاضرات أساتذة كلية دار العلوم وكلية الأداب لأنه من أساتذة العربية وعلوم الدين فى بلده . لذلك طلب منى أن أتحدث إليه بالفصحى لأنه لا يعرف العامية فقلت له : (حاضر ) وسألته : هل تشرب معى الشاى ؟ فقال : قليل . أى يشرب وعزم على هو بالشيكولاته ويسمونها ( سكر ) ولأن العربية لغة الضاد فلا يستطيع غير العرب نطق الضاد بل كان ينطقها ظاء هكذا ( تفظل سكر) !
فى اليوم الأول وجدت أن زميلى التركى جاء من بلاده بما لا نتخيله . جاء بالطرشى والمخلل وهم يخللون كل شىء من الليمون والفلفل والخيار حتى الطماطم واللوبيا وكل شىء وكان يشرب أمامى ماء الطرشى باستمتاع غريب أدهشنى وعزم على فرفضت . وكان يأكل شيئا مثل الشعرية عندنا تسمى عندهم ( طرحنة ) .. طبعا أنا الأن وبعد عشرين سنة أشرب مية الطرشى بنفس استمتاع صاحبنا ولله فى خلقه شئون ولا أتعظ من ارتفاع نسبة الأملاح فى جسمى !
المهم فى أول ليلة هم زميلى التركى بالنوم قرابة الثامنة مساء . وكنا فى فصل الصيف وكنت مدمن سهر مثل كل المصريين سهيرة ولا ننام إلا مع الفجر وفينا من ينام بعد شروق الشمس وأغلب سهر المصريين صرمحة وحكاوى فارغة وكنت أحبه للقراءة أما الأن فأنا أعد الرجل المحترم هو من ينام قبل منتصف الليل وأحسد جدودى الذين عاشوا بلا كهرباء ولا نت ولا مياه نقية وكانوا ينامون من بعد صلاة العشاء !
على كل بعد دقائق سحب ( عكاش ) الغطاء عن وجهه وسألنى : متى تنام ؟ كنت أقرأ فى كتاب ( أدب المقالة الصحفية ) لعبد اللطيف حمزة . فأجبته : ليس الأن . فنام قليلا ثم عاد يسألننى بإلحاح وحنق : متى تنام .. متى ..متى ؟ فقلت : ليس الأن وليس قبل منتصف الليل . فنهض من سريره متضايقا وغادر الغرفة ومرعلى الغرف المتراصة على الجانبين فى ممر طويل فوجدها كلها مفتوحة الأبواب والطلبة يتسامرون ويتضاحكون ويدخنون ويشربون الشاى بأصوات عالية وكأننا فى مولد فعاد أكثر حنقا وغيظا وسألنى : المصريون لا ينامون ؟! فأكدت له من جديد أننا نحب السهر لدرجة الإدمان . وطبعا لم أذكر له بقية الحقيقة وهى أننا شعب نقدس اللهو والصرمحة والأونطه وونعتبر الهروب من العمل والمسؤلية شطارة ونصف المجتهد بأنه ( حمار شغل ) والملتزم بأنه ( حنبلى ) .وقد وصفنا أحد الرحالة فى العصور الوسطى بأن المصريين فى لهوهم كأنهم فرغوا من الحساب !
استسلم التركى للأمر الواقع وسحب الغطاء على وجهه وهو يقول لى : أنت تجتهد وأنا أنام . المقصود أنه سلم ورفع الراية البيضاء. فقلت فى نفسى لقد حققت ما عجز عنه محمد على باشا وهزمت الأتراك الذين كبسوا على قلوبنا أربعة قرون .
ولأننا شعب جبار نذيب غيرنا ولا نذوب . فراعنه بصحيح . تحول صديقى التركى 180 درجة وأصبح يحب السهر معى ويطلب منى أن أضبط مؤشر الراديو على صوت أم كلثوم التى كان يحبها وكذلك صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد دون بقية القراء . وبالمقابل كان يضبط المؤشر على صوت فنانة تركية يهيم بها وكان يترجم لى ما تقوله من كلام لحبيبها .
أكثر من هذا اشتريت له بعض القصص وكنت أقرأفيها معه لتدريبه على النطق السليم . وأحيانا أمثل له المعنى الغريب مثل ( هب واقفا ) فكنت أنهض من مقعدى سريعا وأقول له هوذاك !

وكان يرتدى ملابسه القومية التى نجدها فى صور الخديو والأمراء والأكراد العراقيين لليوم من سروال طويل جدا أسود اللون ويتدلى منه حزام . بالبلدى كان أشبه بلباس المراكبية والنجارين زمان وكان يمشى به فى المدينة وحذرته من الخروج به فخرج وعصى أمرى وذهب به لميدان التحرير ولجامعة القاهرة وعاد يقول لى : ( الناس كانت تنظر وتضحك ) فمت على نفسى من الضحك وقلت له : ألم أحذرك !  

مذكرات فلاحة مصرية(مقدمة) /بقلم صلاح البيلى

هذه حكاية عجيبة ترجع لمطلع التسعينيات من القرن العشرين وتحديدا سنة 1992 وبطلتها أمى التى كان عندها أنذاك خمسين عاما تقريبا وكانت لم تخرج من قريتها اللهم إلا إلى شربين أى المركز بعد وفاة أبى لعمل إعلان الوراثة .والثانية إلى المنصورة لإستئصال الرحم بالمستشفى الجامعى . غير ذلك لم تبرح قريتها إلا إلى بلدة رأس الخليج المجاورة والطفل على يديها إذاسنن أى خرجت له أسنان !!
تخيلوا هذه القروية كيف ستكون ردود أفعالها إذا زارت القاهرة أو مصر أم الدنيا كما يطلق عليها الفلاحون والصعايدة .. وتخيلوا أن أمى دخلت الأوبرا ! والله دخلت الأوبرا فكيف كان رد فعلها وماذا قالت ؟
كذلك زارت الأهرامات والحسين والسيدة زينب وحديقة الأ ورمان وغيرها من معالم القاهرة بصحبتى أى قمت بدور المرشد السياحى لها والمحصلة هذه الحكايات .
أمى التى لم تجرؤ على الوقوف على شباك باب بيتنا فى حياة أبى جلست على قهوة الفيشاوى بالحسين وشربت الشاى بالنعناع وتواصلت مع السياح بالإشارة !
إنها قصة عجيبة فيها من العفوية بقدرمافيها من التشويق والإثارة وأترككم مع الحكاية لتعيشوا معها من بدايتها.

هذا وقد نشرت الحكاية على 12 حلقة بصحيفة ( عيون ) الأسبوعية فى الفترة من نوفمبر 1993إلى مارس 1994 ولاقت إعجابا أنذاك ظهر فى كم الخطابات التى كانت تنهال على رئيس تحريرها الأستاذ أحمد فاضل .

الموجى الصغير فى حوار جرىء جداا

الموجي الصغير :

 كنت أول من قدم علي الحجار ونادية مصطفي ولم يسألا عني بتليفون!
جميع المسابقات الغنائية (سبوبة)

كل لجان التحكيم تحتاج لمن يحكم علي أصواتها وبلا تاريخ
والشهرة لا تصنع تاريخاً
حوار: صلاح البيلي
 أعترف بلجنة تحكيم بها حلمي بكر ومحمد سلطان وهاني شاكر وسميرة سعيد فقط
عبدالحليم امتداد لمدرسة الغناء المصرية وليس عدوية ولا منير ولا حميد ولا علي حميدة ويليه في التاريخ الفني هاني شاكر
(من غير ليه» لعبدالوهاب كسحت كل الألوان الموجودة وقتها و«رسالة من تحت الماء» للموجي فعلت ذلك
ثروت والحلو والحجار ومدحت وطارق فؤاد وأحمد إبراهيم وأنغام وغادة رجب وآمال ماهر الامتداد الطبيعي لمدرسة الغناء بعد هاني شاكر
الغناء بالتركي والخليجي شهادة تقدير لمطربينا ومطرباتنا وظاهرة إيجابية
يرقد الموجي الصغير في بيته إثر إجراء عملية قلب مفتوح لتغيير صمام قبل ثلاثة أشهر كان رفيقه الدائم فيها هاني شاكر، الذي يعده آخر مدرسة غنائية مصرية جاءت بعد مدرسة عبدالحليم.. والموجي في فترة النقاهة غاضب ممن لم يسألوا عنه خاصة علي الحجار ونادية مصطفي وهما من اكتشافه وكان أول من لحن لهما وقدمهما!
وفي هذا الحوار الذي لا تنقصه الصراحة يفيض الموجي الصغير في الكلام واضحاً مباشراً عن حال الأغنية المصرية والعربية الآن، ويُقيم المسابقات الغنائىة الفضائية، وظاهرة الغناء باللهجة الخليجية، ويقول رأيه في زملائه ومن تلاهم من ملحنين ومطربين، ويفرق بين الخلود والتاريخ من ناحية والجماهيرية من جهة أخري، ويقولها صراحة إن الغناء المصري بخير طالما بقي هاني شاكر، وإلي نص الحوار.
الموجي الصغير سلامتك، بداية حدثنا عن محنة مرضك؟
- اضطررت لإجراء عملية قلب مفتوح بقصر العيني لتغيير صمام في ديسمبر الماضي بعد أن حذرني الأطباء أن حياتي في خطر، وكنت خاطبت إيمان البحر درويش ووعدني بأن تقف نقابة المهن الموسيقية بجواري وهو ما لم يحدث والذي وقف بجواري هاني شاكر أخي وصديق دراستي والذي قدمه أبي بنفسه بلحن له سنة 1972 علي خشبة المسرح بأغنية «حلوة يا دنيا» كلمات فتحي الغندور وقدمه معه محمد سلطان وفايزة أحمد، في هذا الوقت كان يوجد خصام بين أبي وحليم وكان أبي اقتنع بصوت هاني وشعر أنه قريب من قلبه وقدم له بعد ذلك: «وصلنا فين» و«سوق الهوى» و«علمني حبيبي» و«بتسأليني ليه» و«تعالوا ياحبايبي» و«حلوة وخفة»، وفي الليلة المحمدية قدم له لحن «الجار للجار» وفي الوطنيات قدم له «خلي بالك يابلدنا» و«بلاد القمر» وأغاني مسلسل «أغنية فوق السحاب» مع زيزي البدراوي، وقدمت له أنا لحنين هما: «اللي حب بلاده» و«علي باب الله».
من وقف بجوارك أو سأل عنك بخلاف هاني شاكر؟
- لا أحد، فقط هاني والتلفزيون المصري، أما علي الحجار ونادية مصطفي فلم يسألا سؤالاً بالتليفون رغم أني قدمتهما لأول مرة علي خشبة المسرح، وعرفت أن نادية ذهبت لحفل تأبين عمار الشريعي بالأوبرا ونسيت أن تسأل عمن قدمها لأول مرة وأنا بين الحياة والموت!
عمار
ألم تحزن برحيل عمار الشريعي؟
- بالعكس حزنت جداً وكنا معاً عند تجهيزه لأغاني مسلسل «العندليب» واستعان بي لأداء المقاطع الغنائىة التي كان يؤديها والدي مع عبدالحليم وكنا معاً بالاستديو، ومرة قال لي بالتليفون لولا أن أبي مات لظنه باقياً لأن صوتي يشبه صوت أبي تماماً.
أجيال الملحنين
من بقي من جيل المبدعين من الملحنين برأيك؟
- بعد جيل سيد درويش ظهر جيل عبدالوهاب والسنباطي ثم تلاه جيل محمد الموجي وكمال الطويل ثم تلاه جيل بليغ حمدي ثم جيل محمد سلطان وحلمي بكر ثم جيل عمار الشريعي ثم جيلي الذي يضم سامي الحفناوي ومنير الوسيمي ومحمد الشيخ وخليل مصطفي ومحمد علي سليمان وكريم مصطفي ومن الشعراء الكبار بقي الأبنودي.
المسابقات الغنائىة
انتشرت موضة المسابقات الغنائية علي الفضائىات لتقديم الأصوات الشابة فما رأيك بها؟
- إذا كانت اللجنة التي تقيم بها محمد سلطان أو حلمي بكر أو هاني شاكر أو سميرة سعيد فأهلاً بها لأن هؤلاء لهم تاريخ مع أكاديميين وسوليفيج خبير بالنوتة والنغمات الموسيقية، أما ما يجري الآن من وجود أصوات باللجان تقيم الأصوات وهي نفسها تحتاج لتقييم فهذا أرفضه لأن كاظم الساهر وصابر الرباعي وإليسا ونانسي عجرم وكارول سماحة مهما غنوا ولو لـ 20 سنة ليسوا في موضع التقييم ولا الخبرة وكذلك «وائل كفوري وشيرين وحسين الجسمي» ما هو تاريخهم؟!.. إنهم موضع تقييم للآن من الجمهور ولا نزال نقول عنهم: «حلو وردئ» وكلامي ينطبق علي «أصالة» أيضاً، أما هاني شاكر الذي غني من سنة 72 وظهر كنجم بين العمالقة وفي وجود عبدالحليم ولفت نظره وكذلك سميرة سعيد وحلمي بكر، فهؤلاء يحق لهم أن يقيموا كيفما شاءوا لأنهم أهل للتقييم.
التاريخ والجماهيرية
كيف تمنع أصالة وكاظم الساهر مثلاً من التقييم وجمهورهما بالملايين؟
- التاريخ شيء والجماهيرية شيء آخر، مثلاً أستطيع غداً تلحين أغنية تكسر الدنيا فهل بذلك تدخل التاريخ؟.. إن عدوية حقق جماهيرية وقت عبدالحليم وبعده فوق الوصف فهل وضعته في مصاف عبدالحليم؟.. عبدالحليم حفر في الصخر ليصنع جمهوره بعكس عدوية، كيف لمطرب عمره الفني 10 أو 20 سنة يحكم علي غيره لكن حلمي بكر تاريخ وهاني شاكر وسميرة سعيد تاريخ ويحق أن نناديهم بلقب «أستاذ» بعكس «شيرين أو عاصي» أو وائل كفوري» كيف نسبق أسماءهم بلقب «أستاذ»؟!.. لقد اختبرت عبدالحليم بالإذاعة لجنة مكونة من «أم كلثوم وعبدالوهاب والسنباطي والقصبجي»، ونجح وبذلك ظهرت الموهبة في مكانها الصح، وقبل ذلك اختارت لجنة من العمالقة محمد الموجي، وقبل ذلك غني عبدالحليم أمام لجنة «مصطفي رضا وعبدالحليم الحديدي» وسقط لأن اللجنة كانت صاحبة ذوق قديم ولما تغيرت أجازوه، أما ما يحدث الآن فهو فوضي وسبوبة ولو كان الهدف لوجه الفن فقط كانوا استعانوا بأصحاب التاريخ مثل حلمي بكر وهاني شاكر وسميرة سعيدة ومحمد سلطان وأمام أساتذة من المعهد وليس أمام أسماء مشهورة ولامعة لمجرد أنها مشهورة!
معني ذلك أن الغناء توقف عند عبدالحليم؟
- عبدالحليم قدم شكلاً جديداً لمدرسة الغناء المصرية والعربية، أما من عاصروه وأتوا بعده فقدموا ألواناً خاصة مثل «حميد الشاعري» و«محمد منير» و«فهد بلان» والدليل أن سامي الحفناوي وهو ملحن قديم قدم «لولاكي» وكسرت الدنيا ليؤكد أن الملحن الأصيل قادر علي كسب الجماهيرية السريعة.. وهذه الألوان قدمت في وقت قدم فيه عبدالوهاب «من غير ليه» و«أسألك الرحيلا» فكسر بهما الدنيا.. وفي وقت عدوية و«سلامتها أم حسن» و«زحمة يا دنيا زحمة» قدم أبي لعبدالحليم: «رسالة من تحت الماء» و«يا مالكاً قلبي» فقلب بهما الدنيا.
فمن هو امتداد عبدالحليم؟
- الأمل في هاني شاكر فهو النغمة الصادقة والصح في الأغنية المصرية الآن وهما بخير طالما هو موجود، وهو ليس امتداداً لحليم، ولكنه امتداد لنغمة المدرسة المصرية الأصيلة، ولو كان غير ذلك ما نجح بجوار عبدالحليم وحافظ علي أصالته وشرقيته للآن.
فمن يليه؟
- يليه ثروت والحجار والحلو ومدحت صالح وأحمد إبراهيم وطارق فؤاد وغادة رجب وأنغام وآمال ماهر.
.. ولكن المطربات أنغام وغادة وآمال غنين بالخليجي، أهي ظاهرة؟!


- حليم غني «ياهلي ياهلي» وغادة غنت ألبوماً كاملاً بالتركي وهذا يحسب لهن أنهن قبلن التحدي وغنين بالتركي والخليجي وبذلك يؤكدن أنهن قادرات علي الغناء بأي لهجة وليس من أجل المال كما يشيع البعض.

الأربعاء، 8 مايو 2013

هل أفرز الربيع العربى أدبا وفنا ثوريا ؟


هل أفرز الربيع العربى أدبا وفنا ثوريا ؟
جلال أمين: عشنا سنوات من القحط وشتاء قاسياً طويلاً وعلينا انتظار شروق الشمس
الموجي الصغير: افن الآن كسيح وأشفق عليه من التيارات الدينية وأغاني الثورة وقتية ولن تعيش
بكر: الثورة أفرزت مطالب ولم تفرز أدباً ولا فناً و«الجرافيتي» انحصر في أعمال دعائية، وكلنا مستهدفون بصناعة الكذب
قاسم: المولود الثوري عمره صغير وأخشي أن نفشل في تأريخه كما فشلنا مع حرب أكتوبر 73
جابر: باستثناء الأبنودي ونجم والقليل.. كل ما ظهر الآن «سبوبة» دعائية لأصحابها
الجيار: لم تولد إبداعات جديدة فعاد الشباب لتراثه القديم
شعبان يوسف: الأدب والفن الحقيقي سينضج علي نار هادئة
مراد: كيف أكتب عن أرض تتحرك وظاهرة لم تكتمل؟!
فن الرسم «الجرافيتي» أحد إبداعات الثورة.. وازدهار واسع لميديا الإعلام البديل من مدونات ويوتيوب وفيس وتويتر
تقرير- صلاح البيلي
هل أفرزت ثورات الربيع العربي أدباً وفناً ثورياً؟.. وهل جاء ما أفرزته علي مستوي الحدث الكبير الذي قلما يتكرر في عمر الشعوب إلا بعد عقود؟.. وهل تقييم المنتج الجديد في صالحه كأدب وفني قادر علي الخلود وتحدي الزمن أم كان أدباً وفناً لحظياً وعابراً ووقتياً لم يرقي لمستوي الثورة؟
سؤال كبير تتصدي له «الوطن العربي» بعد مرور أكثر من عامين علي اندلاع ثورات الربيع العربي، احتاج منا رصد لأبرز الإبداعات، وملاحقة ما أخرجته المطابع والحناجر، ثم ذهبنا للنقاد للتقييم الأدبي والفني.
الحق إن كتابات صدرت وأغاني لحنت ولكنها بالمجمل في رأي النقاد لم ترقْ بعد لمستوي الحدث ولم تتفاعل بالشكل الموضوعي معه وجاءت متعجلة وغير ناضجة ووقتية، ويراهن الكثيرون أن السنوات المقبلة ستنضج أدباً وفناً بعد اكتمال ظاهرة الثورة إن نجاحاً أو فشلاً، وبالتالي سيأتي المولود مفعماً بالأمل أو يائساً محبطاً بعد قتل الأحلام واغتيال التوقعات، وإلي التفاصيل.
علي ذمة التحرير
علي ذمة التحرير، ديوان شعر صدر للشابة فاطمة المرسي ضم 23 قصيدة وهو الثالث لها ورصدت فيه بالعامية تجربتها مع الثورة ورد فعلها عليها، كما رصدت حالة الخوف المصري والعربي بعد الثورات وعلي المستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد.
150 يوماً
أما الكاتب الصحفي أسامة هيكل فكتب تجربته مع الثورة وفي وزارة الإعلام في كتابه: «150 يوماً في تاريخ مصر» كشف فيه كواليس الوزارة وقربه من دوائر الحكم والسلطة خلال الفترة الانتقالية إبان حكم «المجلس العسكري» ولا يزعم أنه يقول كل الحقيقة ولذلك يقول إنه كتب بعض الحقيقة مما عاشه وكان شريكاً فيه ويعترف بوجود وجوه أخري للحقيقة لم يكن مشاركاً فيها ولا مطلعاً عليها لذلك لم يكتب عنها.
مستقبل الثقافة العلمية
ويصدر د. محمد زكي عويس كتابه بعنوان: «ثورة مصر ومستقبل الثقافة العلمية» محاولاً فيه الربط بين الثورة كحدث كبير جداً وبين ضرورة التغيير في الثقافة العلمية في مصر وفي عالمنا العربي.
ومن الإبداعات الأخري التي ظهرت بعد الثورة: «يوميات ثورة الغُل» للدكتور نادر فرجاني، والثلاثية الشعرية «إنجيل الثورة وقرآنها» للشاعر حسن طلب.. وكان طلب هو الشاعر الوحيد الذي نشر قصيدة علي صفحة كاملة في «الدستور» ضد مبارك سنة 2005 عندما نجح بالتزوير في الانتخابات الرئاسية وقال كلمة الحق عندما صممتت النخبة أو تواطأت مع السلطة الحاكمة آنذاك.
كذلك من إفرازات الثورة كتاب: «جمهورية عساكر + ثورة الكبش» لوحيد حامد و«ثورة علي ضفاف النيل» لمحسن جودة وهو كتاب توثيقي بالصورة الفوتوغرافية، و«أرض أرض.. حكاية ثورة الجرافيتي» لشريف عبدالمجيد، و«7 أيام بالتحرير» لهشام الخشن، وديوان للأطفال بالرسومات لفوزية الأشعل عنوانه: «يعني إيه ثورة وطن»، وديوان: «ارفع رأسك عالية» لحلمي سالم.
وخصصت هيئة قصور الثقافة المصرية سلسلة جديدة باسم: «إبداعات الثورة» صدر منها: «ما تبقي من بدايات بعيدة» لمحسن يونس و«باب العزيزية» لمحمد جبريل.
وصدر لأحمد زغلول الشيطي «علي بُعد مائة خطوة» وللروائي إبراهيم عبدالمجيد «لكل أرض ميلاد»، وصدر لسعد القرش كتابه عن المتحولين الذين غيروا مواقفهم وكتاباتهم بمجرد اندلاع الثورة وغيروا جلودهم للتجاوب مع الواقع الجديد.
ازدهار المدونات
وكما كانت هناك 168 مدونة علي الإنترنت قبل الثورة في مصر وحدها فإن التدوين شهد طفرة كبيرة من قبل الشباب والشابات لتسجيل يومياتهم عن الثورة والأحداث السياسية المتلاحقة والسريعة التي تشهدها دول الربيع العربي، وكانت د. فاطمة الزهراء إبراهيم قد أعدت رسالة دكتوراه عن المدونات بالجامعة الأميركية بالقاهرة، واللافت أن المدونات غير السياسية أصبحت بحكم سطوة الواقع والتغيير الكبير تميل للكتابة السياسية وأصبحت السياسة هي الزاد والشراب اليومي للمدونين.
كذلك انتشرت تغريدات التويتر للشباب وعلي «فيس بوك» وللتجاوب مع الشباب أصبح غالبية مشاهير السياسة والإعلام والأدباء والفنانين يلجأون لصفحات «فيس بوك» و«تويتر» للتعبير عن آرائهم السياسية وهو اتجاه يتعاظم يوماً بعد يوم ويشكل ظاهرة جديدة من الإعلام الإلكتروني أو الإعلام البديل للإعلام الرسمي الحكومي أو الخاص، وتحولت هذه الصفحات لمواقع إلكترونية تقوم بإرسال الأخبار والرسوم الثورية والشبابية ومقاطع الفيديو، وكما كانت صفحة «كلنا خالد سعيد» علي «فيس بوك» أحد محركات الثورة في مصر بين الشباب ظهرت صفحات جديدة للشباب تدعو للمظاهرات وترفض كل أشكال الوصاية والرقابة وهو نمط جديد من الإبداع العصري المتجاوز للمكان وكل مكان، وإذا كان لا يدخل في فن الأدب فإنه علي الأقل يدخل في باب اليوميات الآنية وقيمته الحقيقية في كونه سيعتبر خير توثيق ليوميات الثورة وما بعدها دون حذف أو تلوين أو إضافة، فهو نوع من التعبير المباشر والحر وغير المحدود بسقف سياسي أو رقابي أو مكاني وفي الوقت نفسه فاضح للمسكوت عنه في الإعلام الرسمي أو الرواية الرسمية للأحداث.
نجم وورد الجناين
وكما كان الشاعر أحمد فؤاد نجم «الفاجومي» لسان حال الشباب الثائر بعد هزيمة يونيو «حزيران» 1967 هو وتوأمه الملحن والمغني الراحل الشيخ إمام عيسي، عاد نجم ليتصدر المشهد الثوري بقصائده خاصة «ورد الجناين» عندما وصف شباب الثورة بأنهم «الورد اللي فتح في جناين مصر».. وكان نجم أبدع قصيدة: «رجعوا التلامذة يا عم حمزة» فتغني بها جيل ما بعد الثورة وكذلك جيل الشباب الثائر بميدان التحرير في 2011 وما بعدها وفيها يقول: «رجعوا التلامذة يا عم حمزة، للجد تاني، مصر إنتي اللي باقيت وإنت، قطف الأماني، لا كورة نفعت، ولا أونطة، ولا المناقشة وجدل بيزنطة، ولا الصحافة، والصفجية، شاغلين شبابنا عن القضية، قيمولنا صهبة، يا صهجية، ودوقنا طعم الأغاني، رجعوا التلامذة للجد تاني، طلعوا التلامذة ورد الجناين».
الأبنودي والميدان
أيضاً كان الأبنودي المقيم بالإسماعيلية لظروفه الصحية هو فرس السباق الثاني مع نجم وتناغم مع الشباب الثائر وأبدع قصيدته «ميدان التحرير» التي يصف فيها عصر مبارك بأنه «عصر العواجيز» وقال بأعلي صوته: «إرحلي يا دولة العواجيز» وأثبت أن شعر العامية قادر علي التجاوب السريع مع الأحداث الكبري للأمة وضم القصيدة ديوانه الجديد «الميدان».
ثورة مصر الكبري
ثورة مصر الكبري، هو كتاب للمؤلف إيهاب عمر سجل فيه أحداث ميدان التحرير يوماً بيوم، ويقول إن الثورة بدأت يوم 22 يناير «كانون الثاني» 2011  في السويس قبل أن تنتقل للقاهرة بمناسبة «عيد الشرطة» يوم 25 يناير «كانون الثاني» ويؤكد أنه أسرع بتسجيل الحدث قبل أن يتلون ويصبح له أكثر من وجه، حيث ظهرت رواية إخوانية وسلفية وليبرالية للثورة وللأحداث وكادت الحقيقة تتوه لذلك كان تدوين الحقائق المجردة مهمة سريعة للتاريخ لأن المتابع في كل عصر أن لدينا تاريخاً رسمياً وتاريخاً آخر موازياً لكل حدث أو قصة!
ومع اعترافه بأن «فزاعة الإخوان المسلمين» سقطت بالثورة ونزولهم للميدان إلا أن الفزاعات عادت للعمل بشدة وحرب الدعاية السوداء والمعلومات والكذب عادت لتضرب استقرار مصر ورهان الأعداء دائماً هو نشر الفوضي في البلاد التي شهدت «الربيع العربي».. مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، أي أن القوي المعادية تعمل علي تحويل معطيات الثورة ونتائجها من عناصر إيجابية إلي عناصر فوضوية وهذا هو التحدي الراهن لكل دول الربيع العربي.
المغني خانة
فنياً ظهرت فرقة شبابية باسم «المغني خانة» بدأت سنة 2004 عندما اجتمع ثلاثة شباب هم «نور جمال- شاعر، ومحمد فايد - إيقاع، وناشد الإنصاري - ملحن ومغني» وفي أحد المقاهي الصغيرة بدأوا يغنون ألحانهم وبدأوا بأغاني فلكورية ثم اتجهوا للأغاني الشعبية والثورية وعرفت طريقها لساقية الصاوي والمراكز الثقافية ومسرح الجنينة والمشاركة بالمهرجانات غير الهادفة للربح وبيت السناري ومركز سعد زغلول الثقافي، ورغم المشاكل المادية وعدم وجود مسرح ثابت إلا أن الفرقة توسعت وصمدت وتصر علي تقديم فنها وكلها من الشباب بسن بين 25-19 سنة، إنهم ليسوا خريجين لكليات فنية متخصصة ولكنهم يمثلون الفن المستقل المضاد للبيروقراطية، ومن الكلمات التي يتغنون بها: «غني غنايا بصوت عالي، طلع سوادك في كلامك، قالوا الكلام زاد دو مسكر، وأنا قلبي عطشان، للحظة طيش، وإياك تعيش عمرك تصبر، وإياك تموت من كتر العيش».
وسط البلد
أما فرقة «وسط البلد» فهي فرقة قديمة نسبياً والمشهور منها الفنان والعازف هاني عادل، وهي فرقة بدأت بأغاني شبابية خفيفة ثم غنت للثورة ونزلت الميدان وتحالفت مع مطالب الشباب في التغيير، وكأنها كانت الفتح المبين لسواها من الفرق الشبابية فظهرت فرق شبابية أخري مثل «إسكندريلا» و«كاريوكي» ويقول أمير عبدالحميد من «كاريوكي» إنهم سببب الظروف الأمنية القلقة والخوف من بعض التيارات الدينية صاروا يقدمون حفلاتهم داخل بيوت أصدقائهم، وهو الموقف الذي التزمت به فرقة «إسكندريلا» أيضاً وغيرها، حيث يؤكد حازم شاهين أحد أعضاءها أنهم يقيمون حفلاتهم الغنائية في بيوت الأصدقاء ويدعون الأصدقاء والمعارف إليها، ويقول إن مثل هذه «الحفلات البيتي» كانت موجودة من زمان من أيام عبده الحامولي وصالح عبدالحي ومنيرة المهدية وأم كلثوم وعبدالوهاب، ومع انتشار وسائل الإعلام الاجتماعي الجديدة أصبح من السهل تحميل الحفلات علي اليوتيوب وفيس بوك وتويتر كي يتفاعل معها الجمهور من الشباب.
حمزة نمرة
وواكب الربيع العربي صوت جديد بكلمات جديدة للمغني الشاب حمزة نمرة فجاء صوتاً جديداً دون زعيق وهتاف للحناجر، ولكن ما يمكن وصفه «بالقوة الرقيقة» وانتشرت أغانيه علي المواقع وتناقلها الشباب دون أن يظهر ولو لمرة واحدة علي فضائية رسمية أو بصحيفة حكومية!
ونبقي مع الفن الغنائي ونرصد أغاني لآمال ماهر ومحمد منير واكبت الثورة وكذلك لعمرو دياب الذي عمد لتحسين صورته بعدما ارتبط اسمه بالنظام القديم، ولكن مجمل الأغاني تبقي إما دعائية أو وقتية ولا ترقي للأغاني التي واكبت وتلت ثورة 1952.
كذلك يبدأون نغمة الأفلام الجديدة بدأت بالتغيير كما ارتفع سقف الحرية وبدأ المؤلفون يقتحمون مجالات جديدة تميل للجدلية بعد سنوات من أفلام «هلس» وكوميديا هز البطن وتسفيه العقول.
شعبان يوسف: ليس بعد
الشاعر شعبان يوسف رئيس تحرير سلسلة «كتابات جديدة» بهيئة الكتاب يري أن الربيع العربي لم يفرز أدباً ولا فناً حقيقياً بعد لأن طبيعة الأدب والفن أن ينضج علي نار هادئة ولا يكون سريعاً أو متعجلاً، وإن كانت ظهرت كتابات شعرية جيدة للأبنودي ونجم وغيرهما، ولكنها كتابات وإن كانت جيدة لا تغطي كل صورة المشهد أو الانفجار الكبير الذي جري وأتوقع أن تشهد السنوات المقبلة ظهور كتابات روائية قيمة توثق للثورة وتحللها وهذا يحتاج لبعض الوقت للتخمر.
مراد: الأرض متحركة
ويتفق مع الرأي السابق الروائي الشاب أحمد مراد الذي يقول: كتبت «فيرتيجو وتراب الماس والفيل الأزرق» قبل الثورة، أما أحداث الثورة فلا أستطيع الكتابة عنها الآن، لأن الأرض ما زالت متحركة والموقد يغلي بالفوران فكيف أكتب عن أرض متحركة، إن الأحداث تتلاحق بسرعة والمواقف تتغير والآراء تتبدل ولا زلنا في خضم حدث الثورة ومن هنا لا أستطيع أن أكتب عن ظاهرة لم تكتمل بعد، وقد يكون ذلك يوماً ما ولكن ليس الآن.
الجيار: عدنا للتراث
الناقد الأدبي د. مدحت الجيار رئيس قسم اللغة العربية بآداب الزقازيق يري أن الثورة لم تقدم أدبها ولا فنها بعد ويتفق مع ما سبق أن هذا سيظهر لاحقاً، ويقول إن أكبر دليل علي أن الثورة لم تقدم فنها الخاص أن الشباب عادوا للأغاني القديمة للأجيال السابقة من أول «بلادي بلادي» لسيد درويش حتي أغاني نجم وعبدالحليم أي عاد الشباب للتراث لاستلهامه من جديد، لأن واقعهم لم يفرز صوته الخاص بعد.
الزارع: ظهر الجرافيتي
علي عكس ما سبق يري الشاعر عبده الزراع أن الثورة أفرزت فن «الجرافيتي» للرسم علي الجدران، كما أفرزت عشرات الأصوات ولكنها بالأقاليم ومن موقعه كمسؤول عن الثقافة الجماهيرية بإقليم شمال الصعيد يري أن هناك عشرات الأصوات الأدبية في الشعر والقصة بنوادي الأدب، ولكن في الأقاليم البعيدة عن القاهرة وأنها ستنضج لاحقاً لتشكل تيار عام.
جابر: سبوبة
القاص محمد جابر يتفق مع القائلين بأن الربيع العربي لم يفرز فناً ولا أدباً ضخماً، ويقول: ما أفرزه الربيع العربي للآن في أكثره «سبوبة»، حيث قام بعض المثقفين والإعلاميين بتسجيل يومياتهم ونشروها دون موضوعية أو تحليل عميق للحدث، طبعاً نجم والأبنودي شاعران كبيران ومن عمالقة شعر العامية بالعصر الحديث، وللآن تبكيني قصيدة «يا مِنة» للأبنودي عندما أقرأها، وكذلك «بلدي وحبيبتي» لنجم وفيها يقول: «انطلق في الجو فجأة، صوت مفاجأة، صوت يخلي الدم يجمد، اصحي يا أحمد، وانتهي الحلم الجميل، وابتدا الهم التقيل» وهي قصيدة أراها تنطبق علي واقعنا الراهن بمعني أن أحلام الثورة وتوقعاتها وآمالها ماتت وبدأ الهم الثقيل.
وعن نفسي نشرت قصة: «وكأن العالم تخلي عنها» بصحيفة «القاهرة» وأهديتها لشهداء الثورة، وقبل الثورة كتبت في «المساء» مقال: «الانفجار الكبير» تنبأت فيه بالثورة من خلال إبداعات سعد وهبة ومحمود دياب ومحمد جبريل، ولا أزعم «عنترية» ولكن أري ما يقدم «سبوبة» والمثقوفن والنخبة انتشرت بالفضائيات وغالبيتهم ابتعدوا عن الموضوعية ولديهم شهوة في الكلام رهيبة دون تفاعل مع واقعنا المتدهور ولا السقوط الذي وصلنا إليه بل يستثمرونه لأنفسهم.
قاسم: المولود صغير
الناقد الأدبي والفني محمود قاسم يري أن المشهد الثوري من تضحيات وشهداء جعلت الناس تتصور أنها صنعت أهم ثورة بالعالم لدرجة أن «أوباما» قال إن العالم لم يتعلم من المصريين ثم اتضح للناس أن البالون انفجر كذباً ودون ثمرة حقيقية، كما أن المولود الثوري عمره عامين فقط وهو عمر صغير ومحدود، ولذلك فالتجارب أغلبها متبور وغير موضوعية لأننا لا نستطيع أن نقرأ رواية كتبت بحماس وانفعال، مثلاً كتب محمد العون رواية: «ميدان التحرير» وهي يوميات تشبه صحيفة صدرت بالأمس وعن نفسي كتبت رواية اسمها «الفوضي» وبعد أن استغرقت فيها وجدتها ساخنة جداً فتوقفت عن استكمالها، نفس الأمر في الأفلام والأغاني التي أعقبت الثورة وتمحكت بها ظهرت «ملخبطة» وغير ناضجة ومتبورة، وأخشي أن نعجز عن تقديم فيلم ضخم يؤرخ للثورة، كما فشلنا في تجسيد حرب أكتوبر 73 في فيلم قوي.. وألاحظ أن أحداثنا تبدأ قوية جداً ثم تنتهي صغيرة فحرب أكتوبر بدأت قوية وانتهت بالثغرة والثورة بدأت عملاقة وانتهت إلي ما نحن فيه وعليه أري أننا لا نصنع نصراً كاملاً ولا ثورة كاملة ونفشل في استكمال ما بدأناه كما نفشل في النهايات أو التشطيب.
بكر: صناعة الكذب
المخرج الفني والمؤلف وخبير الإعلام الإلكتروني ياسر بكر يري أن الثورة أفرزت مطالب ولم تفرز أدباً ولا فناً ذي قيمة كما لم تفرز قادة، ويقول: حاولوا صناعة نم للثورة مثل وائل غنيم وفشلوا فجاءوا بالفصيل المنظم الجاهز ذي الصورة الذهينة الإيجابية كمقدنيين وهم «الإخوان المسلمين» وهم خرجوا للثور وكل التيارات الإسلامية كي تحرق للأبد، أما الثورة فلم تفرز غير أعمال دعائية لبعض الهواة الذين لا يتعمقون داخل الظاهرة ولا تداعياتها ولكنها قدمت شكلاً من أشكال الإعلام البديل مثل «الرسم الجرافيتي» وهي رسومات دون المستوي الفني يقوم بها بعض الهواة وعندما رأيتها وجدتها تناثر لوني دون إحساس أو مخاطبة للآخر بالرؤية البصرية التي هي أساس علم الجرافيتي وليس أدل علي ذلك من التلوث علي جدران المؤسسات والعشوائية في الرسم، وهذه النوعية من الرسم كانت موجودة من زمان بالرسم علي جدران الزائر لبيت الله الحرام برسم الجمل والكعبة وبعض الجمل مثل «حج مبرور وذنب مغفور».
أما التغيير الحقيقي الذي حدث برأيي فهو اختراق الشباب للمجتمع من أسفله أو ما يطلق عليه «التغيير الجيلي» بإبداعاتهم وكتاباتهم وثورتهم العنيفة التلقائية وأري أننا نتجه للفوضي وكل دول الربيع العربي مستهدفة ليل نهار بصناعة الكذب وحرب المعلومات وهو ما رصدته في كتابي الجديد: «صناعة الكذب.. دراسة في أشهر القصص الخبرية المفبركة بالصحافة المصرية»، وبالمجمل الثورة لم تسفر عن دراسة معمقة ولا ثمار حقيقية، بل فوضي متوحشة بالشارع مع ترسيخ الإحساس بالدونية والهزيمة قبل أن تبدأ المعركة والوقيعة بين عناصر الأمة من مدنيين وعسكريين وشرطة ومسلمين وأقباط لتفتيت الشعب الواحد.
قتل الحلم
اجتماعياً تري الباحثة الاجتماعية بجامعة عين شمس وسام السري وصاحبة مدونة: «بس ورحنا عملنا ثورة» والتي شاركت بميدان التحرير أيام الثورة، تري أن المدونات التي كانت محفزاً علي الثورة لم يعد لها بريق ما قبل الثورة، وتقول: القهر السياسي كان ينتج أدباً وفناً حتي لو كان رمزياً مثل «شيء من الخوف» و«الزوجة الثانية» و«ثرثرة فوق النيل» في السينيات، كذلك ظهرت مدونة «عايزة أتجوز» كنتاج للقهر الاجتماعي والسياسي في عصر مبارك، أما الآن فقد وصلنا للفشل السياسي بعد ارتفاع سقف التوقعات لأقصي مدي، وهذا الفشل لا يحفز علي الإبداع بل يقتل الكلمة والرمز والمعني ولذلك كان البديل انتشار العنف في المواصلات وفي المجتمع.. لقد صبر المجتمع تحت حكم الاستعمار فالملكية والعسكر ثم ظن أنه تحرر فوجد نفسه لم يصنع شيئاً فكانت السطحية في أي شيء وتوارت الأصوات الجميلة في الإبداع الأدبي والفني ونعيش حالة خواء ثقافي وفني كما وصف «وليم إدواردلين» المصريين أيام الاستعمار البريطاني لمصر، أي عادي المواطن ليشرب كوب الشاي من الصباح للعصر!
كان المواطن في زمن القهر يعبر عن ضغوطه بإبداع رمزي، أما في زمن الفشل فلا إبداع ولا معني بل عنف وتدمير والتحول لجثة هامدة في الفضاء والثورة لأتفه الأسباب وكأن الناس استسلمت لواقعها الميت، ونفس هذا الشعب هو الذي كان بالميدان ورأيت أخلاق ميدان التحرير من تعاطف وتقاسم الخبز والماء وحماية البنات، ونفس الشعب هو الآن بعدما يئس وأحبط تحولت ثورة من «ثورة الساجدين» - عندما وصفوه يصلي بالميدان وكأنه في حرم الكعبة - إلي قتل الأحلام وأخطر شيء يتم الآن هو استبدال منظومة القيم وتفريغ الشخصية من محتواها الإيجابي المتسامح الطيب ليحل محله العنف والتمدير والحقد ولا أحد يتحمل الآخر وكأن كل واحد يريد أن يحيا وحده، وانتشر التخوين والتشكيك في كل شيء وهذا ظرف زمني لا يمكن الإبداع فيه.
فاروق الباز: ثورتنا كالبركان
للجولوجي المصري المقيم في أميركا العالم د. فاروق الباز وصفاً يتناسب مع تخصصه للثورة المصرية وغيرها من ثورات الربيع العربي إذ يقول إنها مثل البركان وإن ما تشهده مصر وتونس واليمن هي توابع صغيرة له وفي كل الأحوال لن تعود الأرض كما كانت قبل الثورة، لقد كانت مصر وغيرها قد وصلت لحفرة عميقة من اليأس والإحباط وهي الآن تولد من جديد وتقف علي أعتاب أول خطوة للتقدم، وكما كان الشباب هم وقود الثورة فيجب علينا تشجيع مبادرات الشباب بالأدب والثقافة والفنون والرياضة، والتركيز علي العلم والبحث العلمي في كل مجالات حياتنا لا الفهلوة، ولا خوف من «الثورة المضادة» لأنها مجرد ذبذبات صغيرة أو توابع صغيرة للزلزال وستتلاشي تدريجياً.
ويضيف: أنا مطمئن بنسبة %100 بنتائج الثورة وبالربيع العربي بدون شك، وأولي النتائج عودة الأمل وعودة الشباب للسياسة والعمل علام وعن نفسي الثورة المصرية جعلتني أفتخر بمصريتي ولكن آثارها الإيجابية علي كل مناحي الحياة ستأخذ وقتاً كذلك علي الفن والأدب ولكن بلا شك لن تعود عجلة الزمن للوراء أبداً.
الموجي الصغير: الفن كسيح
ويري الملحن الموجي الصغير أن الوقت ليس وقت إبداع ولا فن ويقول: كيف أمسك بالعود لأصنع لحناً وأنا أسمع طلقات الرصاص من بيتي في وسط القاهرة تحديداً بشارع الشواربي الذي كان أحد معالم القاهرة، وكيف أخلو بنفسي ومشاهد الجثث والدماء والجريمة من حولي في كل مكان، إنني أشفق علي الفن لأنه لا يستطيع أن ينمو في هذا الجو بل لو ظهر سيكون كسيحاً، ثم كيف يبدع المبدع وعلي رقبته سيف من التيارات الدينية المتربصة به، إنني شاهدت فيلم «نهر الحب» فوجدتهم قطعوا كل مشاهد القبلات بين فاتن حمامة وعمر الشريف.. وبذلك لن نقدم فناً بل سنقدم الفن الرديء أو الخالي من الدسم، لقد غني عبدالحليم للثورة وكان صادقاً وعاشت أغانيه للآن وما بعد، أما الأغاني التي ظهرت للآن فهي دعائية سريعة لن تعيش بل وقتية هدفها ركوب الحدث واستثماره ولذلك لن يكتب لها الخلود وهذا مرتبط بغياب مدرسة الغناء الأصيل وهي قصة طويلة من المآسي.
جلال أمين: ما بعد القحط
ختاماً يري د. جلال أمين صاحب كتاب «ماذا حدث للمصريين» أن ثورة 25 يناير «كانون الثاني» 2011 في مصر حتماً ستقدم أدباً كما قدمت ثورة 1952 أدباء مثل يوسف إدريس ونعمان عاشور وصلاح عبدالصبور وعبدالحليم والموجي وكمال الطويل في الغناء وأحمد بهاء الدين في الصحافة، ويقول: إن التركيب الطبقي الجديد لم يتبلور بعد لينعكس في الزدب والفن، فقد عشنا لسنوات في خواء تام وشتاء طويل وقاسي وسنوات من القحط في الإبداع وحتماً ستظهر مواهب للتعبير عن التغيير الحاصل ولكنها الآن مجدر براعم جديدة إن تكلمت ستعبر عن نفسها بذاتية وغير موضوعية وبتعجل، وعليه لابد من انتظار شروق الشمس وإن طالت.
نشرت المقالة فى عدد مايو 2013 من مجلة ( الوطن العربى ) 

الاثنين، 8 أبريل 2013

مابعد البركان – يوميات الثورة المصرية (9)



بداية لدى عدة أخبار سعيدة أولها انى تم تحريرى من مسؤولية مجلة خاصة كنت رئيسا لتحريرها لفترة من الوقت وقد تندهشون لذلك ولكنها الحقيقة لأننى ممن إذا تولوا مسؤلية أخلصوا لها وأفنوا فيها أيامهم ويكون ذلك على حساب أشياء أخرى ولأننى لم أتعود الهروب من المسؤولية فقد تصديت لها بشجاعة وتفان على حساب صحتى وبيتى وإبداعى الخاص وهواياتى التى أحبها ولأننى لست من هواة المنظرة ولست من جامعى المليون جنيه وليس فى طموحى غير ان أعيش مستورا وراضيا وقانعا فإننى استقبلت خبر الإقالة بترحاب داخلى عميق دون معرفة الأسباب أو إنهاك عقلى فى ظروفه .
وبذلك أصدقائى قد يكون لدى وقت لممارسة هواية صيد السمك التى أحبها وممارسة الرياضة خاصة السباحة والصعلكة فى الشوارع والمقاهى الثقافية والندوات بحرية وكذلك ممارسة الحب !
وأذكر عندما ذهبت مديرا لمكتب مؤسسة (دار الهلال ) فى الاسكندرية سنة 2003 كنت متضايقا جدا وظللت ثلاث سنوات مخلصا بعملى كمن يحرث فى البحروعلمتنى التجربة الكثير ويكفى أن أقول إنه ليس وقت المخلصين ولا مكانهم وقد صممت على مغادرة المكان وهددت رئيس المؤسسة بأننى قد أخذ اجازة بدون مرتب أو أستقيل إذا لم يعيدنى صحفيا وكاتبا حرا دون مسؤليات إدارية وهذا موضوع طويل قد أرجع لحكايته يوما ما!
المهم أنى نزلت قريتى وقضيت اجازة جميلة لأول مرة دون أن أكون متوترا للإعداد للعدد القادم وخلافه وشعرت كمن زال عن كتفيه هم ثقيل وعبء كبير .
وذهبت إلى الحلاق الذى شكى لى من سلبية السلطة وضعفها ضد الخارجين عن القانون والبلطجية .
وشكى لى اثنان من حملة الماجستير عدم تعيينهما بالجامعة وهى ذاتها شكوة العشرات !
ولأنى أخذت عهدا على نفسى ألا أتوتر أو أحرق دمى فقد امتنعت تماما عن متابعة جميع نشرات الأخبار وبرامج التوك شو ويكاد التلفزيون لا يفتح فى بيتنا إلا لبرنامج دينى أو وثائقى أو رياضى أولفيلم كوميدى وعليه لن أتعرض للأحداث الساخنة التى تمر بها بلادى مصر التى أعشق ترابها ولن أدلى بدلوى فى المشهد رغم أنى عندى ما يكفى لكتابة قاموس من الكلمات ولما كنت لست صاحب أجندة ولست تبعا لأحد وليس لى غرض خاص غير رقى بلادى وتقدمها سوف أصمت وأحول اهتمامى لأمورى الخاصة لأن المشهد السياسى العام بالبلدى ( يقرف) وحجم التواطؤ والخبص والمكائد والأجندات الخاصة فوق الوصف داخلية وخارجية وعندما أعلم أن خطف البنات تكرر فى قريتى وأن السلاح سهل الحصول عليه والمخدرات تباع على الملأ ( عينى عينك ) وأن استباحة الدم صارسهلا أقرر أن قريتى لم تعد قريتى وأن الناس غير الناس وأن الزمن غير الزمن وأن المكان لم يعد هو وهذه حكاية طويلة قد أحكيها لكم لتعيشوا معى زمنا عشت فيه طفولة رائعة وشبابا بريئا طموحا قبل أن يتلوث الزمان والمكان !
بصراحة أنا حزين جدا على بلادى مصر أم الدنيا ومع ذلك لن أتكلم فى السياسة ولن أطفىء سعادتى بتحررى من عملى الخاص وعتقى من العبودية وعقبال إن شاء الله يوم أن أتحرر من عملى الحكومى أيضا وأنا فى هذا مثل العقاد الذى كان يعتبر الوظيفة عبودية العصر .
وبعيد اعن ( الزيطة والزمبليطة ) سأكلمكم فى المرة القادمة عن ( المؤخرة البرازيلية ) فى زمن المؤخرات !